الخلافات داخل مجلس قيادة الثورة
وموقف يوسف صديق
محمد نجيب -كلمتى للتاريخ- الفصل الثالث
ولم يكن اعتقال هؤلاء الضباط أمرا سهلا بالنسبة لى...
كما أن التحفظ عليهم فى سجن الأجانب كان أمرا أشد قسوة على نفسى... فمنذ أقل من عام واحد ذهبت محتجا لرئيس هيئة أركان حرب الجيش الفريق حسين فريد على سجن اليوزباشى محمد أحمد رياض الذى أصبح قائدا لحرسى الآن، وانتقاله بعد ذلك الى ميس الضباط تحت الحراسة.
لم يمض عام واحد على احتجاجى هذا، ثم أخبرتنى الظروف على اعتقال ضباط من مختلف الرتب بعضهم خرج ليلة 23 يوليو معرضا حياته للخطر من أجل انتصار الحركة وتغيير الأوضاع الفاسدة التى كانت سائدة.
ولكن ماذا يمكن أن أفعل؟
المعلومات التى وضعت أمامى كانت تؤكد أن هناك عملية مدبرة لاغتيال أعضاء مجلس القيادة وحرصى على تنفيذ القانون بعدم وضع الضباط فى السجون قوبل بمعارضة شديدة تحت حجة أنهم لو تواجدوا فى ميس أحدى الواحدات أو فى أى ثكنة من الثكنات فانه سوف يكون صعبا وعسيرا... بل مستحيلا أن يقيموا فى عزلة عن الضباط، أو يأثر ذلك فى زملائهم مما يدفع الأمور الى مزيد من الانفجارات... وأصدرت أمرى باخلاء سجن الأجانب من كل نزلائه ليكون بمثابة معتقل خاص لهؤلاء الضباط فقط.
أصبحنا كما يقول المثل البلدى "مثل السمك نأكل بعضنا"... ومع ذلك.
لم يقف الأمر عند حد رشاد مهنا وضباط المدفعية، ولكنه وصل أيضا الى اعضاء مجلس القيادة... الى القائمقام يوسف صديق.
ويوسف ضابط شجاع عرفته فى حرب فلسطين، واليه يرجع الفضل الرئيسى فى انتصار الحركة... اذ أنه كان أول من اقتحم القيادة العامة واعتقل اللواء حسين فريد كما ذكرت... وكان يوسف قد تحرك فجزء من كتيبته فقط من معسكرات هاكستيب أبعد معسكرات الجيش عن القاهرة.
وكانت قواته أسرع القوات فى الوصول الى القيادة قبل كل القوات التى اشتركت فى الحركة، والتى كانت ثكنات بعضها مواجهة مبنى القيادة عبر الشارع... وكان ذلك لآن يوسف صديق لم تصل اليه أخبار تأجيل التحرك ساعة.
وكانت شجاعة يوسف محل تقدير الجميع واحترامهم... كما ان نكرانه لذاته وتواضعه كان مبعث اعجابى به.
وقد لاحظت أن همسات بعض الزملاء تلاحقه، وجمال عبد الناصر الذى كان مديرا لمكتبى حتى ذلك الوقت يحذرنى من أنه شيوعى يريد أن ينحرف بالثورة لتفكيره.
وأخذت هذا موضعا للمداعبة، فكنت ألقبه مازحا "الرفيق يوسف ستالين" لكننى لم أفكر لحظة فى معاداته أو التخلص منه، فانى أومن بحرية كل انسان فى اختيار عقيدته، ويزداد احترامى له كلما دافع عن عقيدته باخلاص وثقه.
وكان يوسف صديق شديد الوضوح فى معارضته لقانون تنظيم الأحزاب ولضرب الوفد على غير أساس ديمقراطى.. وكان يدعو للتمسك بالدستور ودعوة البرلمان المنحل للانعقاد لتعيين مجلس الوصاية... كما أنه كان شديد الثورة والرفض لاعتقال الزعماء السياسيين دون اتهام... وطالب كثيرا بالغاء الرقابة على الصحف وتكوين اتحاد عام للعمال.
وكان حديث يوسف فى المجلس يستهوينى لأنه شاعر يملك زمام اللغة ولا ينقصه التهاب العاطفة والحماسة... ولم يكن مثل جمال سالم تتدفق ألفاظه قبل أفكاره.
ولكن يوسف صديق كان يقف دائما فى الأقلية، لا يجد معه أصواتا تشكل الأغلبية... وكثيرا ما اتفقت معه فى الرأى... وكثيرا ما تغلب علينا الرأى المضاد.
وقبل اعتقالات ضياط المدفعية، كان بعضهم قد حضر بنية حسنة الى مجلس القيادة وقابل عدد من الأعضاء وناقش معهم الظروف المحيطة، وطالب بأن يتم تمثيل الجيش فى مجلس القيادة عن طريق الانتخابات.
وبعد أن يذهبواعقد مجلس القيادة جلسة عاجلة لما تبينة من خطر فى هذه الآراء على أنفسهم... ولكن يوسف صديق كان من المؤيدين للانتخابات، وأذكر أن واحدا من الأعضاء سأله:
_ هل تضمن أنت النجاح فى الانتخابات؟
وأجاب يوسف:
_ هذا لا يهم... انما المهم هو الاطمئنان.
وفوجئت به بعد اعتقال ضباط المدفعية يقدم استقالته، ويصر عليها رغم محاولاتى المتكررة معه للعدول عنها، قائلا أنه لا يمكن أن يرتبط مع مجموعة لا يوافق على سياستها... وكانت هذه هى أول استقالة من مجلس القيادة.
كنت متألما لاستقالة يوسف، معتقدا أنه قدمها لارتباطه بالشيوعيين الذين كنا قد اعتقلنا بعضهم من جديد، بعد أن أخلينا المعتقلات منهم عقب قيام الثورة عدا 17 شخصا كانت عليهم بعض الشبهات.
ولم أجد فى استقالته السبيل السليم لاصلاح الأخطاء التى لم أكن موافقا على الكثير منها... ولكنى لم أفكر أبدا فى الاستقالة، معتقدا بأن وجودى يفيد أكثر من غيابى، وأنى قادر مع الوقت على اصلاح الأخطاء.
كان كل ما فى استطاعتى أن أفعله للضباط المعتقلين هو الحرص على سلامة التحقيق ومعاملتهم معاملة انسانية.
وبعد أيام من الاعتقال أبلغت أن البكباشى حسنى الدمنهورى كان يعد مؤامرة للانقضاض على مجلس القيادة... واخراج الضباط المعتقلين، وأن لجنة قد حققت معه من عبد اللطيف البغدادى وعبد الحكيم عامر وزكريا محيى الدين وصلاح سالم.
وأبلغنى جمال عبد الناصر أن محاكمته سوف تتم أمام مجلس القيادة واعترضت على ذلك حيث لا يعقل قانونا أن يكون الخصم هو الحكم... ولكن جمال أخبرنى أنهم سوف يجتمعون بعد ساعة واحدة أى فى السادسة صباحا... وأنه يحسن أن تتم المحاكمة بهذه الصورة حتى لا تكون موضوعا للأثارة فى صفوف الجيش فى وقت اضطربت فيه الأمور.
ورأس جمال عبد الناصر المحكمة وحضرها كل أعضاء مجلس القيادة عدا يوسف صديق وأنور السادات وخالد محيى الدين وعبد المنعم أمين...
وكان حديث يوسف فى المجلس يستهوينى لأنه شاعر يملك زمام اللغة ولا ينقصه التهاب العاطفة والحماسة... ولم يكن مثل جمال سالم تتدفق ألفاظه قبل أفكاره.
ولكن يوسف صديق كان يقف دائما فى الأقلية، لا يجد معه أصواتا تشكل الأغلبية... وكثيرا ما اتفقت معه فى الرأى... وكثيرا ما تغلب علينا الرأى المضاد.
وقبل اعتقالات ضياط المدفعية، كان بعضهم قد حضر بنية حسنة الى مجلس القيادة وقابل عدد من الأعضاء وناقش معهم الظروف المحيطة، وطالب بأن يتم تمثيل الجيش فى مجلس القيادة عن طريق الانتخابات.
وبعد أن يذهبواعقد مجلس القيادة جلسة عاجلة لما تبينة من خطر فى هذه الآراء على أنفسهم... ولكن يوسف صديق كان من المؤيدين للانتخابات، وأذكر أن واحدا من الأعضاء سأله:
_ هل تضمن أنت النجاح فى الانتخابات؟
وأجاب يوسف:
_ هذا لا يهم... انما المهم هو الاطمئنان.
وفوجئت به بعد اعتقال ضباط المدفعية يقدم استقالته، ويصر عليها رغم محاولاتى المتكررة معه للعدول عنها، قائلا أنه لا يمكن أن يرتبط مع مجموعة لا يوافق على سياستها... وكانت هذه هى أول استقالة من مجلس القيادة.
كنت متألما لاستقالة يوسف، معتقدا أنه قدمها لارتباطه بالشيوعيين الذين كنا قد اعتقلنا بعضهم من جديد، بعد أن أخلينا المعتقلات منهم عقب قيام الثورة عدا 17 شخصا كانت عليهم بعض الشبهات.
ولم أجد فى استقالته السبيل السليم لاصلاح الأخطاء التى لم أكن موافقا على الكثير منها... ولكنى لم أفكر أبدا فى الاستقالة، معتقدا بأن وجودى يفيد أكثر من غيابى، وأنى قادر مع الوقت على اصلاح الأخطاء.
كان كل ما فى استطاعتى أن أفعله للضباط المعتقلين هو الحرص على سلامة التحقيق ومعاملتهم معاملة انسانية.
وبعد أيام من الاعتقال أبلغت أن البكباشى حسنى الدمنهورى كان يعد مؤامرة للانقضاض على مجلس القيادة... واخراج الضباط المعتقلين، وأن لجنة قد حققت معه من عبد اللطيف البغدادى وعبد الحكيم عامر وزكريا محيى الدين وصلاح سالم.
وأبلغنى جمال عبد الناصر أن محاكمته سوف تتم أمام مجلس القيادة واعترضت على ذلك حيث لا يعقل قانونا أن يكون الخصم هو الحكم... ولكن جمال أخبرنى أنهم سوف يجتمعون بعد ساعة واحدة أى فى السادسة صباحا... وأنه يحسن أن تتم المحاكمة بهذه الصورة حتى لا تكون موضوعا للأثارة فى صفوف الجيش فى وقت اضطربت فيه الأمور.
ورأس جمال عبد الناصر المحكمة وحضرها كل أعضاء مجلس القيادة عدا يوسف صديق وأنور السادات وخالد محيى الدين وعبد المنعم أمين...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق