أسباب الخلاف بين يوسف صديق وبين مجلس قيادة الثورة

أحمد حمروش -قصة ثورة 23 يوليه- الفصل الخامس

ولم يكن الموقف هادئا داخل مجلس القيادة... كانت بعض قرارات المجلس تلقى معارضة شديدة من جانب يوسف صديق الذى انبرى لمعارضة قانون تنظيم الأحزاب واعتقال السياسيين ومحاولة ضرب الوفد على غير أساس ديمقراطى.. وقد وقف الى جانبه فى المراحل الأولى جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وخالد محيى الدين.
وكان جمال عبد الناصر قد اعتكف فى منزله وأعلن أنه لن يشارك فى اجتماعات المجلس اذا كان الأعضاء سوف يتنكرون للديمقراطية.
ولكن وحدة يوسف صديق وجمال عبد الناصر لم تستمر طويلا، فقد تراجع جمال عبد الناصر عن موقفه أمام الحاح وتفسيرات سليمان حافظ واكتشافه أن الوفد ليس من الصلابة التى تحول دون ضربه، وتبليغه أن الطريق للانفراد بالسلطة ليس شديد الوعورة والتعقيد.
ولكن يوسف صديق الذى كان يعبر عن رأى الشيوعيين ظل متمسكا بالديمقراطية والحياة البرلمانية، رغم أنه لم ينجح فى تحقيق رأيه بدعوة مجلس النواب المنحل لتعيين مجلس الوصاية ولا فى منع صدور قانون تنظيم الأحزار ولا فى منع أعدام خميس والبقرى عمال كفر الدوار فقد كان المؤيدون له أقلية وكانت قرارات المجلس تصدر بالأغلبية.
وظهر بين الضباط وخاصة فى سلاح المدفعية اتجاه يدعو الى أن يكون تمثيل الضباط فى مجلس القيادة بالانتخاب وتحمس جميع أعضاء المجلس ضد هذا الاتجاه، الا يوسف صديق.
كان السبب الكامن وراء هذا الطلب هو ما أثير من ملاحظات تصرفات شخصية لبعض أعضاء المجلس، الذين عرف عن واحد منهم أنه أقام علاقات شخصية مع الأميرة السابقة فايزه وقدم لها نظير ذلك تسهيلات كبيرة، والذين اشتهرت زوجة واحد منهم بقوة شخصيتها وأحاديثها عن أعضاء المجلس فى السهرات وخاصة فى نادى السيارات، وتصادف أن الاثنين كانا من ضباط المدفعية.
ولذلك عقد جانب من ضباط المدفعية اجتماعا مع أعضاء مجلس قيادة الثورة، ناقشوا فيه هذا الرأى بصراحة مطلقة... ولكنهم اعتقلوا يوم 15 يناير سنة 1953 بدعوى أنهم يدبرون مؤامرة لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة، وذلك بعد طبعهم لمنشور خاص.
كان هذا الاعتقال هو أول صدام مباشر بين ضباط الجيش، وكان دخول الضباط برتبهم وملابسهم العسكرية سجن الأجانب هى أول سابقة فى تاريخ الجيش المصرى، تحت القيادة المصرية، اذ كانت القوانين تنص على حجز الضباط حجزا شديدا أى تحت الحراسة فى ميس احدى الوحدات، وليس فى غرفة السجن حتى تنتهى المحاكمة.
وكان مجلس القيادة قد ذر منه أيامه الأولى من تكرار ما حدث فى سوريا من سلسلة انقلابات متعاقبة.. فبادر الى اعتقال 35 ضابطا من ضباط المدفعية، وانتهز هذه الفرصة لاصدار قرارات جامحة تظهره فى مظهر القوة، وتقوى قبضته على السلطات، فكان قرار حل الأحزاب فى 17 يناير وتشكيل مجلس قيادة الثورة، اختار مجلس القيادة جانب الصدام المباشر مع ما يحويه من احتمالات الخطر.
ولم يكن الضباط المعتقلون جميعا من اتجاه سياسى أو فكرى واحد.. فقد اعتقل رشاد مهنا واعتقلت أنا أيضا، ولم يكن المعتقلون جميعا من سلاح المدفعية ولكن قلة محدودة منهم كانت من المشاة وبعض المدنيين، (محمود رشيد ود، عبد العزيز الشال، وصبرى الحكيم).
ولم يقبل يوسف صديق مبدأ اعتقال الضباط بعد معارضته الشديدة لاعتقال السياسيين... وقرر الاستقالة من مجلس القيادة معلنا أن ضميره لا يمكن أن يستريح وهو كعضو فى مجلس يصدر قرارات تخالف أفكاره وعقيدته، ولا يستقيم الأمر بأن قرارات المجلس تصدر بالأغلبية فان المجلس ذاته لا يمثل الشعب، ولا يمثل الجيش أيضا.
أصر يوسف صديق على الاستقالة، وزاد اصراره بعد عودته الرقابة على الصحف وصدور قانون حل الأحزاب، ولم يتراجع عنها رغم ما بذله معه أحمد فؤاد من محاولة اقناعة بأنه ينهى دوره السياسى باختيار الاستقالة من المجلس، ولكن يوسف صديق وجد أن ضميره سوف يكون مثقلا بما لا يقبله، ولم يعلن المجلس استقالته، ولكنهم أجبروه على السفر الى سويسرا فى مارس 1953.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق