بقلم: د. رفعت السعيد
أرشيف اليسار
مجلة اليسار أبريل 1991
1910 ولد يوسف صديق لأسرة ريفية من زاوية المصلوب مركز الواسطى (بنى سويف)... رجال الأسرة فلاحون وضباط وازهريون..
الأب ضابط فى الجيش، مصرى ثائر يرفض تحكم الأنجليز فى الجيش المصرى، ويصطدم بالقادة الانجليز الذين يرضون على فرقته العاملة بالسودان اضطهادا مزدوجا...
لكن الأب يتوفى قبل أن يكمل يوسف عامة الأول، ويكلفه خاله يوزباشى محمد توفيق على، هو أيضا ضابط ثائر لم يحتمل تسلط الانجليز على الجيش فألقى باستقالته فى وجههم، وظل يروى ليوسف الصغير حكايات كثيرة عن مصر والسودان والانجليز وأبيه الذى اضطهد كثيرا وطويلا...
1924 يوسف يتم دراسته الابتدائية ويأتى الى القاهرة ليصبح طالبا فى الخديوية الثانوية فى زمن تفجرت فيه مظاهرات عنيفة ضد الانجليز، وعملاء الانجليز ويوسف يشارك فى ذلك كله بحماس ظاهر...
1930 يوسف ينهى دراسته الثانوية... يتحدى الجميع، ويتحدى كل الحكايات القديمة عن الجيش الذى طحن أباه وخاله معاً... يصمم على الانضمام الى المدرسة الحربية، انه الثأر القديم يلتهب فى أعماقه...
د. رفعت السعيد
1933 يوسف... ضابطا بالجيش.
ربما بسبب الموهبة، وربما أمتداداً للتراث الازهرى فى الأسرة، يتألق الفتى شاعرا. وشعره كسيفه حاد.. حاسم.. شجاع.
إنا وهبنا للجهاد نفوسنا
لا نبتغى رتبا ولا أطماعا
والمؤمنون المخلصون يزيدهم
ظلم الحوادث شدة وصراعا
وعندما يحال الأميرالاى سليمان عبد الواحد سبل الى الاستيداع، وينظم زملاءه الضباط حفل تكريم له، يدهش الجميع لجرأة الضابط يوسف صديق الذى يتحدى بشعره ظلم الحاكم.. ويحرض زملاءه علنا على مشاركته تحديه له فهو يوجه حديثه للضابط المحال الى الاستيداع.
... يا صاحب القلب الكبير تحية
... فلقد بدأت: ، ولا أقول وداعا
حررت من القيد الوظيفه فانطلق
حراً، وأطلق الكفاح شراعا
عار الوظيفة أن نضام بها اذا
كنا الرجال ولم نكن أتباعا
ونفوس أهل الحق تأبى حرة
... وكريمة أن تشترى وتباعا
الضابط.. الشاعر يتوقد حماسا ضد الاحتلال والقصر، وينتقد رفضا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القائمة.. ويبحث عن طريق لخلاص وطنه...
ويتحدث يوسف صديق قائلا.. (بدأت الاتصال بالإخوان المسلمين لكنى ابتعدت عنهم لجمودهم العقائدى الذى لا يرضى ما أخذته فى نفسى من ثورة ولم يدم اتصالى بهم أكثر من شهور، ثم اتصلت بالشيوعيين فى النصف الثانى من الأربعينيات، وكنت مقدرا لدور الاتحاد السوفيتى فى الحرب العالمية الثانية، وكان اتصالى بأحمد حمروش ضابط المدفعية، وقد أعجبنى فى الشيوعية انها تغرس حب العدل فى النفوس وتعمل لتحقيق السلام على الأرض، واقامة المحبة والتعاون بين الناس، فهى لا تفرق بين الناس لأنسابهم ولا أحسابهم وأنما تعمل على الغاء أستغلال الانسان للانسان، ولم أشعر لحظة أن فى تطبيق هذه للمبادئ ما يتعارض مع عقيدتى الدينية، فقد داس الاسلام تيجان الأكاسرة والأباطرة بأقدام الشعوب... وبعد اعتقال عديد من قيادات حدتو وصلت الأمور الى الحد الذى كانت اكتب فيه المنشورات باليد فى منزلى بثكنات العباسية وكانت تشاركنى فى ذلك زوجتى).
(أحمد حمروش -شهود ثورة يوليو- ص 433).
ويحكى لى يوسف صديق كيف أن الحلقة ضاقت على حدتو (48- 1949) الانقسامات تفترسها والضربات البوليسية تتلاحق ولكن لا بد للعمل أن يتواصل، ولا تجد حدتو سوى ان تلجأ الى الضابط يوسف صديق وزوجته عليه توفيق ليقوما فى بيتهما بثكنات الجيش بالعباسية بكتابة المنشورات بخط يده على البالوظة ثم بطبعاتها معا...
ويقول (كنت أتأفف وأسأل "عليه" فى ضيق: هى الثورة حتتعمل كده؟ وتبتسم لى وابتسم لها ونكمل عملنا فى صبر واصرار).
(محضر نقاش اجريته مع يوسف صديق فى 1966/8/3).
1950 - 1951 عينا عبد الناصر يقظتان، تفترشان الجيش بأكمله بحثا عن عناصر ثورية.
ويوسف صديق لا يخفى على أحد، يتقد ثورية، يعبر عن سخطه شعرا ونثرا، وتلتقط أذنا عبد الناصر خبرا أن الضابط يوسف صديق يعقد اجتماعات فى منزله، وان رجال الحرس الحديدى يتعقبونه، يرسل اليه يحذره، ثم يرسل اليه ليعرض عليه الانضمام الى الضباط الأحرار.
الضابط وحيد رمضان كان تلميذا ليوسف صديق بالكلية الحربية وكان وثيق الصلة به.. أبلغه رسالة عبد الناصر وتلقى الرد... الرد جاء متأخرا قليلا فقد كان يتعين على يوسف أن يستأذن المسئولين فى حدتو، ولم يكن يعلم ان حدتو قد أقامت علاقة وثيقة بالضباط الأحرار...
والغريب ان عبد الناصر لم يعرف ان يوسف صديق شيوعيا .. ألا بعد الثورة.
أقام أحمد فؤاد (القاضى ومسئول قسم الجيش فى حدتو- وهمزة الوصل بين حدتو وعبد الناصر) حفلا فى بيته.. العينان اليقظتان لعبد الناصر التقطتا صورة لم يكن عبد الناصر يعرفها.. الى الحفل حضر كمال عبد الحليم أحد قادة حدتو... صافح يوسف صديق بحرارة واحتضنه.. كان يناديه "أبو حجاج" وأدرك عبد الناصر العلاقة وأسرها فى نفسه...
23 يوليو 1952... يوسف صديق كان قد أصبح قائمقام.. وهو أعلى الضباط الأحرار رتبه، باستثناء محمد نجيب الذى لم يكن على علاقة مباشرة معهم، كان قائدا للكتيبة الأولى مدافع ماكينة- كتيبته بالعريش، صدر الأمر بنقلها الى القاهرة، حضر مع طلائعها، لكنه ما لبث أن سقط مريضا.
منذ أمد طويل يلاحقه مرض بصدره، آلام لا تطاق، ودم ينزف من فمه.
زاره عبد الناصر وعبد الحكيم عامر فى بيته فى 20 يوليو فوجئا بحالته الصحية... فى أسى بالغ قالا له لن تستطيع الاشتراك معنا..
ولكن من يمكنه أن يمنع كل أحلام الماضى من أن تتفجر، كل ثار الماضى... أبوه وخاله ومصر والشعب وحدتو... كل ذلك من يمكنه أن يغلق عليه أبواب المرض؟ وفى حزم أكد أنه بخير.
مساء يوم التحرك حقنه الطبيب لايقاف نزيف الدم المتدفق.. وانطلق بقواته لتحقيق حلمه وحلم الوطن.. وحلم "حدتو".
فى الطريق قابلهم قائد الفرقة اللواء عبد الرحمن مكى، كل شئ يتهدده الخطر. اللواء يصدر أمرا بالتوقف، العسكريون لا يعصون أمرا للأعلى رتبة، لكن يوسف صديق أشهر مسدسه فى وجه اللواء وببساطة قال: أنت مقبوض عليك يا سيادة اللواء".
سألته فى حوار معه "كيف فعلتها؟" أجاب ببساطة لم أتردد لحظة، فلو ترددت لتراجع الجميع.. وفى الطريق القت قواته القبض على جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر.
سألته فى ذات الحوار وكنا عام 1966... "ألم تفكر فى أن تتركهما أسرى ثم تقود أنت الحركة؟ وأجابنى فى براءة "نحن شيوعيون لسنا أوغادا".
فعلها يوسف صديق وأفرج عن جمال عبد الناصر وعامر، ومنهما علم أن أمر الثورة قد كشف وأن قادة الجيش مجتمعون فى مبنى القيادة العامة لتحريك القوات الموالية لفاروق فى ثبات قرر يوسف صديق: "العجلة دارت ولا تراجع وأن كانوا فى مبنى القيادة فلنذهب اليهم".
وأوقعهم جميعا فى المصيدة، قبض عليهم جميعا، وشلت قدرة فاروق على التحكم فى الجيش..
... على مكتب القائد جلس يوسف صديق، ليدير عملية الاستيلاء على السلطة.. بعدها بساعات دخل عبد الناصر، ببساطة وقف يوسف صديق وأجلسه مكانه...
هنا تكمن المفارقة...
يوسف صديق وجه الضربة ضد قادة جيش فاروق. استولى على مبنى القيادة، قبض رجاله على جمال عبد الناصر وأفرج هو عنه، هو الأرقى رتبة لكنه يقف ليجلس فى موقع القيادة البكباشى جمال عبد الناصر... هكذا تعلم كشيوعى الالتزام بالبدأ والخلق والعهد...
لكن التصادم يأتى سريعا...
الرجل لا يريد أن يتحول الى حاكم... فقط يريد الحرية لشعبه، والديمقراطية أساسا للتعامل معه.. طالب بحكومة ائتلافية، وانتخابات حرة، وديمقراطية كاملة ودستور جديد يكفل للمواطنين حقوقهم..
تهكم عليه أحد أعضاء المجلس "عامللى فيها يوسف ستالين" قذفه فى وجهه بما فى يده. واستمر التصادم...
لم يذكروا له أنه أطلق سراحعم، ولا أنه غادر مكان القائد وأجلسهم..
ونحن من مجلس قيادة الثورة.
أواخر 1953... تلقت حدتو سيلا من الضربات البوليسية فكما دفع يوسف صديق ثمن تمسكه بالمبدأ، دفعت حدتو ثمن مشاركتها فى صنع الثورة، الأمر الذى أثار هواجس الكثيرين من نفوذها فى الجيش...
الضربات تتوالى، والقيادة المركزية قبض على أغلبها، ومن تبقى منها لم يتمكن من الاتصال بكل مجموعات التنظيم، كنا نحن تنظيما مستقلا "رابطة الطلبة الشيوعيين -حدتو نجونا من الضربات لكينا فقدنا اتصالنا بالتنظيم وقررنا أن نعمل".
وفى غمرة العمل النشيط أتصل بى طالب من كلية الحقوق ليبلغنى أنه على علاقة قرابة بيوسف صديق وانه يريد مقابلة "المسئول" .. أى مسئول؟ لا مسئول الا أنا وأنا مجرد طالب بالسنة الثانية فى كلية الحقوق، أبلغنا بحقيقة الوضع.. وصمم أن نلتقى.
الضابط المهيب يجلس فى شقة متواضعة بشارع رضوان شكرى بالعباسية ليسأل طالبا فى العشرين من عمره المشورة...
عبد الناصر يدعوه للتصالح، ويعرض عليه ان يكون سفيراً فى الهند ليدرس سياستها التى لفتت أنظاره، ألمح اليه بأحتمال مصالحة مع حدتو لو أنها تفهمت وضعه وهدأت من معارضتها الحادة لمشروع اتفاقية الجلاء.. لم ينس عبد الناصر أن يظهر طرف العصا... فبينما توشك المقابلة ان تنتهى قال عرضا "قول لعليه تبطل نشاط لحسن أعتقلها" وضحك وكأنه لا يعنيها.
... ماذا يمكن للطالب الشاب أن يقول مهما حاول أن يكتسى بالحكمة..
أظهرت له حيرتى واخيرا أتفقنا على الرد... "قادتنا مسجونون لديكم تفاوضوا معهم".
وما أن تلقى عبد الناصر هذا الرد حتى دارت ماكينة الاضطهاد.. وحتى "عليه" أرسلت سجن النساء..
لم يساوم ابدا، ولم يتراجع عن موقفه..
اتى عليه عدوان 1956 واقامته محدده فى بيته، ترك البيت دون أذن من أحد، فالوطن يناديه، ونداء الوطن فوق كل قرار آخر.
31 مارس 1975
آن للفارس أن يستريح، ويغادرنا يوسف صديق، دون أن ننساه.
ومع ذلك فيبدو أن شركاء الماضى نسوه... وبرغم ان عبد الناصر وقف ليعلن شهادته للتاريخ فى خطاب عيد ثورة يوليو 1962 مؤكدا أن يوسف صديق قد لعب دوراً أساسيا فى انجاح ثورة يوليو.. الا انهم صفوا تماثيل كل أعضاء المجلس فى متحف القلعة... وتمثاله غائب حتى الآن...
السبب روتينى بحت، لقد تصادم وترك المجلس قبل أن يصدر مرسوم تشكيل المجلس... وتمثاله غائب، ولكن هل يغيب هو؟
هل تغيب ذكراه؟ هل ينساه الوطن؟ وهل ينساه رفاقه؟
23 يوليو 1952... يوسف صديق كان قد أصبح قائمقام.. وهو أعلى الضباط الأحرار رتبه، باستثناء محمد نجيب الذى لم يكن على علاقة مباشرة معهم، كان قائدا للكتيبة الأولى مدافع ماكينة- كتيبته بالعريش، صدر الأمر بنقلها الى القاهرة، حضر مع طلائعها، لكنه ما لبث أن سقط مريضا.
منذ أمد طويل يلاحقه مرض بصدره، آلام لا تطاق، ودم ينزف من فمه.
زاره عبد الناصر وعبد الحكيم عامر فى بيته فى 20 يوليو فوجئا بحالته الصحية... فى أسى بالغ قالا له لن تستطيع الاشتراك معنا..
ولكن من يمكنه أن يمنع كل أحلام الماضى من أن تتفجر، كل ثار الماضى... أبوه وخاله ومصر والشعب وحدتو... كل ذلك من يمكنه أن يغلق عليه أبواب المرض؟ وفى حزم أكد أنه بخير.
مساء يوم التحرك حقنه الطبيب لايقاف نزيف الدم المتدفق.. وانطلق بقواته لتحقيق حلمه وحلم الوطن.. وحلم "حدتو".
فى الطريق قابلهم قائد الفرقة اللواء عبد الرحمن مكى، كل شئ يتهدده الخطر. اللواء يصدر أمرا بالتوقف، العسكريون لا يعصون أمرا للأعلى رتبة، لكن يوسف صديق أشهر مسدسه فى وجه اللواء وببساطة قال: أنت مقبوض عليك يا سيادة اللواء".
سألته فى حوار معه "كيف فعلتها؟" أجاب ببساطة لم أتردد لحظة، فلو ترددت لتراجع الجميع.. وفى الطريق القت قواته القبض على جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر.
سألته فى ذات الحوار وكنا عام 1966... "ألم تفكر فى أن تتركهما أسرى ثم تقود أنت الحركة؟ وأجابنى فى براءة "نحن شيوعيون لسنا أوغادا".
فعلها يوسف صديق وأفرج عن جمال عبد الناصر وعامر، ومنهما علم أن أمر الثورة قد كشف وأن قادة الجيش مجتمعون فى مبنى القيادة العامة لتحريك القوات الموالية لفاروق فى ثبات قرر يوسف صديق: "العجلة دارت ولا تراجع وأن كانوا فى مبنى القيادة فلنذهب اليهم".
وأوقعهم جميعا فى المصيدة، قبض عليهم جميعا، وشلت قدرة فاروق على التحكم فى الجيش..
... على مكتب القائد جلس يوسف صديق، ليدير عملية الاستيلاء على السلطة.. بعدها بساعات دخل عبد الناصر، ببساطة وقف يوسف صديق وأجلسه مكانه...
هنا تكمن المفارقة...
يوسف صديق وجه الضربة ضد قادة جيش فاروق. استولى على مبنى القيادة، قبض رجاله على جمال عبد الناصر وأفرج هو عنه، هو الأرقى رتبة لكنه يقف ليجلس فى موقع القيادة البكباشى جمال عبد الناصر... هكذا تعلم كشيوعى الالتزام بالبدأ والخلق والعهد...
لكن التصادم يأتى سريعا...
الرجل لا يريد أن يتحول الى حاكم... فقط يريد الحرية لشعبه، والديمقراطية أساسا للتعامل معه.. طالب بحكومة ائتلافية، وانتخابات حرة، وديمقراطية كاملة ودستور جديد يكفل للمواطنين حقوقهم..
تهكم عليه أحد أعضاء المجلس "عامللى فيها يوسف ستالين" قذفه فى وجهه بما فى يده. واستمر التصادم...
لم يذكروا له أنه أطلق سراحعم، ولا أنه غادر مكان القائد وأجلسهم..
ونحن من مجلس قيادة الثورة.
أواخر 1953... تلقت حدتو سيلا من الضربات البوليسية فكما دفع يوسف صديق ثمن تمسكه بالمبدأ، دفعت حدتو ثمن مشاركتها فى صنع الثورة، الأمر الذى أثار هواجس الكثيرين من نفوذها فى الجيش...
الضربات تتوالى، والقيادة المركزية قبض على أغلبها، ومن تبقى منها لم يتمكن من الاتصال بكل مجموعات التنظيم، كنا نحن تنظيما مستقلا "رابطة الطلبة الشيوعيين -حدتو نجونا من الضربات لكينا فقدنا اتصالنا بالتنظيم وقررنا أن نعمل".
وفى غمرة العمل النشيط أتصل بى طالب من كلية الحقوق ليبلغنى أنه على علاقة قرابة بيوسف صديق وانه يريد مقابلة "المسئول" .. أى مسئول؟ لا مسئول الا أنا وأنا مجرد طالب بالسنة الثانية فى كلية الحقوق، أبلغنا بحقيقة الوضع.. وصمم أن نلتقى.
الضابط المهيب يجلس فى شقة متواضعة بشارع رضوان شكرى بالعباسية ليسأل طالبا فى العشرين من عمره المشورة...
عبد الناصر يدعوه للتصالح، ويعرض عليه ان يكون سفيراً فى الهند ليدرس سياستها التى لفتت أنظاره، ألمح اليه بأحتمال مصالحة مع حدتو لو أنها تفهمت وضعه وهدأت من معارضتها الحادة لمشروع اتفاقية الجلاء.. لم ينس عبد الناصر أن يظهر طرف العصا... فبينما توشك المقابلة ان تنتهى قال عرضا "قول لعليه تبطل نشاط لحسن أعتقلها" وضحك وكأنه لا يعنيها.
... ماذا يمكن للطالب الشاب أن يقول مهما حاول أن يكتسى بالحكمة..
أظهرت له حيرتى واخيرا أتفقنا على الرد... "قادتنا مسجونون لديكم تفاوضوا معهم".
وما أن تلقى عبد الناصر هذا الرد حتى دارت ماكينة الاضطهاد.. وحتى "عليه" أرسلت سجن النساء..
لم يساوم ابدا، ولم يتراجع عن موقفه..
اتى عليه عدوان 1956 واقامته محدده فى بيته، ترك البيت دون أذن من أحد، فالوطن يناديه، ونداء الوطن فوق كل قرار آخر.
31 مارس 1975
آن للفارس أن يستريح، ويغادرنا يوسف صديق، دون أن ننساه.
ومع ذلك فيبدو أن شركاء الماضى نسوه... وبرغم ان عبد الناصر وقف ليعلن شهادته للتاريخ فى خطاب عيد ثورة يوليو 1962 مؤكدا أن يوسف صديق قد لعب دوراً أساسيا فى انجاح ثورة يوليو.. الا انهم صفوا تماثيل كل أعضاء المجلس فى متحف القلعة... وتمثاله غائب حتى الآن...
السبب روتينى بحت، لقد تصادم وترك المجلس قبل أن يصدر مرسوم تشكيل المجلس... وتمثاله غائب، ولكن هل يغيب هو؟
هل تغيب ذكراه؟ هل ينساه الوطن؟ وهل ينساه رفاقه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق