نص حوار الأستاذ محمود توفيق عن البطل يوسف صديق

*س: ما هو دور يوسف صديق فى تكوين الجبهة الوطنية؟ ولماذا فشلت؟

ج: يوسف صديق كان دائما قريبا من فكرة الجبهة الوطنية الديمقراطية، وكان يرى أن أغلب القوى السياسية الموجودة فى الساحة هى قوى وطنية، وانه يمكن التقريب بين هذه القوى، وربطها ببرنامج وطنى ديمقراطى لملىء الفراغ الناشئ عن انهيار النظام الملكى القديم، وكأساس لقيام سلطة وطنية تتولى تسير أمور البلاد لصالح الشعب كله، وعلى هذا الاساس كان يدافع عن الحل الديمقراطى لقضية السلطة بعد قيام الثورة، ولذلك طالب بعودة البرلمان المنحل فى عهد فاروق، وممارسة دورة كممثل ديمقراطى للشعب، وكان ذلك فى مواجهة الاتجاه الأخر فى مجلس قيادة الثورة، وهو استيلاء الضباط الأحرار على السلطة ممثلين فى مجلس قيادة الثورة، وعندما رفض أغلبية أعضاء المجلس هذا الحل وساندهم فى ذلك مجلس الدولة تحت تأثير الدكتور السنهورى وسليمان حافظ، عاد يوسف فطالب بتشكيل جمعية تأسيسية بالانتخاب الحر المباشر تتولى وضع دستور جديد للبلاد، كما تقوم بمهمة البرلمان، وأيضا قوبل هذا الاقتراح بالرفض.
وبعد أن تم الافتراق بين يوسف وبين المجلس وتقدم باستقالته، بدأ يعمل فى اتجاه تشكيل هذه الجبهة بعيدا عن مجلس قيادة الثورة أى من موقع المعارضه للاتجاه الدكتاتورى العسكرى الذى انساق اليه أغلب أعضاء مجلس قيادة الثورة، خاصة بعد أن أعلن يوسف استقالته من مجلس قيادة الثورة ومن الجيش.
كانت نقطة البدأ التنظيمى لعمل يوسف فى هذا الاتجاه هو تشكيل ما سمى باللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية للكفاح المسلح، وكانت هذه اللجنة تضم عداا من انصار يوسف من الضباط وبعض المدنين، وكانت تعمل على تشكيل الجبهة الوطنية من خلال الاتصالات التى تقوم بأجرائها مع القوى السياسية المختلفة التى ترشحها مواقفها ومبادئها لكى تكون جزءا من هذه الجبهة.
وفى هذا الصدد كانت هناك اتصالات منظمة مع الوفد المصرى، والاخوان المسلمين، والاشتراكين، والشيوعين -حدتو-، وكان محور هذه الاتصالات هى مجموعة اللجنة التحضيرية التى كانت تتحرك حول يوسف صديق، واستمر هذا النشاط حتى قيام هبه مارس 1954 من أواخر 1953 حتى مارس 1954، وكان لهذا النشاط دور مهم فى التحضير لهذه الهبه وفى توحيد جماهير كثيرة خاصة من الطلبة فى اتجاه إيجاد البديل الديمقراطى للحكم العسكرى الذى كان قد بدأ يفرض نفسه، وظهر ذلك فى يناير 54 فى المظاهرات التى حدثت فى جامعة القاهرة والتى وقع فيها صدام بين الطلبة وبين قطاعات من تنظيمات هيئة التحرير التابعة للسلطة، حيث قام الطلاب بأحراق عدد من السيارات العسكرية التى كان يستقلها بعض اعوان هذه الهيئة، وظهر التناقض فى الموقف بين جماهير الطلبة وبين السلطة العسكرية وكانت هذه مقدمة هامة لاحداث مارس 54 ومبشر بهبه مارس كلها.
ومما يذكر أن هذه الاتصالات الجبهوية قد شملت الاتصال بمحمد نجيب نفسه عن طريق محمد رياض الذى كان سكرتيرا له وكان يحضر بعض الاجتماعات الجبهوية نائبا عن محمد نجيب، ويمثل صله وصل بين هذا التجمع الجبهوى، وكان نجيب يبدى موافقته على فكره الجبهة ومبادئها ونشاطها، واستمر هذا الوضع الى أن قامت هبه مارس وظهر الاتجاه الشعبى الاجماعى على ضرورة عوده الجيش الى ثكناته، والغاء الحكم العسكرى وتشكيل حكومة ائتلافية جبهوية تقوم على برنامج الجبهة الوطنية الديمقراطية باتجاهاته التاريخية المعروفة، وهذا ما عبر عنه يوسف فى رسالته الى محمد نجيب التى نشرت فى جريدة المصرى والتى دعى فيها تشكيل حكومة ائتلافية .
وكان تحقيق هذا المطلب قاب قوسين أو أدنى لولا أن حدث تراجع من بعض اطراف هذه الجبهة عندما أعلن مجلس قيادة الثورة انتهاء مهمته وعودة الجيش الى ثكناته فى 25 مارس 54 اذ بدأت هذه الاطراف تتراجع عن التزامها بفكرة الجبهة، وتبحث عن مكاسب ذاتيه معتقده ان النظام العسكرى سوف يرحل لامحاله.
وكان أول المتراجعين هم محمد نجيب والاخوان المسلمين أذ بدأ محمد نجيب يعلن عن ضرورة اعطائه فترة انتقالية يحكم فيها منفردا على رغم أن ذلك ضرورى لتهيئة البلاد للحكم النيابى والدستورى، واتضح أن هذا الموقف كان متفقا عليه بينه وبين الاخوان المسلمين وهو موقف شبيه بالتحالف الخفى الذى حدث فى اول الثورة بين الاخوان وبين جمال عبد الناصر وكان الهدف من ذلك التحلل من أى ارتباط مع الوفد ومع الشيوعين، وكذلك لوحظ أن حزب الوفد بدأ يتراجع هو الاخر عن هذا الارتباط أذ رفضت قيادة الوفد فى ذلك الوقت التوقيع على بيان مشترك للجبهة كان معدا لاصداره حسما للامور فى ذروه احداث مارس، ذا كان هذا البيان اعلان الجبهة ومبادئها واعلان التمسك ببرنامجها، بما فيه الحكومة الائتلافية، فقد احجم الوفد هو ايضاً عن التوقيع على هذا البيان، وكان قد اتفق مع كل هذه الجهات على اصدار هذا البيان، الوفد لم يشأ أن يقيد نفسه باى التزام مع الشيوعين أو الأخوان أو غيرهم.
وهكذا انهارت عملية الجبهة مما اتاح الفرصه للنظام أن ينسف الموقف عن طريق اضراب عمال النقل المشترك والغاء قرارات 25 مارس.
وقد يتساءل البعض هل انهيار الجبهة على هذا النحو دليل على خطأ الفكره الجبهوية فى حد ذاتها؟ واجيب على هذا السؤال بالنفى ذلك ان فكرة الجبهة الوطنية كانت وما زالت هى مفتاح الحل للازمة المصرية حتى اليوم، اذ ان مشاكل البلاد كانت ومازلالت مشاكل كبيرة جدا ومعقدة جدا ولا يمكن لاى حزب أو طرف من الاطراف ان يتولى حلها منفردا، لان مثل هذا الحل لا يكون الا بتظافر الشعب كله وهو ما لا يتوافر الا بقيام جبهة وطنية تجمع طلائع هذا الشعب على اختلاف مواقعها.
وفى هذه الحالة لابد أن يكون الاساس الديمقراطى هو القاعدة التى تقوم عليها هذه الجبهة وهذا ما اثبته التاريخ والتجربة فى كثير من البلاد التى تواجه مشكلات وطنية وديمقراطية فى مثل حجم وتشابك وتعقد المشاكل المصرية.

*س: هل كان يوسف صديق شيوعيا؟

ج: يوسف صديق كان شيوعيا، وفى نفس الوقت لم يكن شيوعيا، بمعنى أنه كان متعاطفا مع الفكر والأتجاه بصفة عامة من حيث انهما يعبران عن الرغبة فى تحقيق العدالة الأجتماعية، وأنصاف الفقراء، والمظلومين، والكادحين، وأيضا فى تحرير الشعوب المستعبدة بواسطة الأستعمار، وكان يرى أن كل ذلك يتفق من ناحية الفلسفة المادية التى تعتبر ركنا من أركان الماركسية والتى تتعارض مع الأيمان الدينى، كذلك فهو لم يكن مقتنعا بفكرة دكتاتورية البروليتاريا كأسلوب للحكم عن نجاح الثورة الأشتراكية، فهو كان من حيث المبدأ ضد أى دكتاتورية، وكانت قناعته بالحرية والديمقراطية تحول بينه وبين تقبل فكرة دكتاتورية البروليتاريا، هذه بصفة عامة عن الشيوعين، أما بالنسبة للحركة الشيوعية فى مصر فكان معجبا بإخلاص الشيوعين المصرين لمبادئهم وما يتحلون به من روح نضالية، ومن استعداد للتضحية فى سبيل المبدأ وفى سبيل مصلحة شعبنا ووطننا، ولكنه من ناحية أخرى لم يكن يقبل ظاهرة الأنقسامية، فهى تنفره من التنظيمات الشيوعية بصفة عامة، غير أنه كان يتعاطف بشكل خاص مع الحركة الديمقراطية (حدتو)، فقد كان على اتصال وثيق ببعض أعضائها ومن خلالهم كان يعرف اتجاهاتها ويقرأ الكثير من مطبوعاتها ومن هؤلاء (أنا) بطبيعة الحال بحكم صلتى العائلية والشخصية واقامتى معه فترات طويلة وما كان بيننا من صداقة رغم اختلاف السن، كذلك كانت له صله من خلالى بالشاعر (كمال عبد الحليم) كانت له صله بالكاتب (ابراهيم عبد الحليم) شقيق كمال والذى كان يعمل معه موظفا اداريا بالسجلات العسكرية التى كان يوسف مسئولا عنها من الناحية العسكرية، واتاح له ذلك فرص عديدة للقاء يوسف والحديث معه وكان ابراهيم فى هذه الأثناء عضوا بالحركة الديمقراطية وله دور مهم من النواحى التثقيفية للحركة، وكان يعرفنى ويعرف صلتى بيوسف من خلال أخيه كمال، لذلك كانت صلته بيوسف صله معرفة وصداقة وثيقة، وبدأ يوسف يتعاطف مع الحركة، حتى أنه كان لا يتردد فى تقديم العون اليها بأى صوره تطلب منه، من ذلك المعونات المالية، وكذلك المساعدات العملية فقد حدث أن أوى كمال عبد الحليم فى بيته بثكنات العباسية لفترة من الزمن كان فيها كمال مطلوبا القبض عليه وهاربا من البوليس، كما حدث انه اخفى فى بيته جهاز طباعة بالرونيو، ومرة أخرى جهاز طباعة بالبالوطة، بل شارك ذات مرة فى العمل على جهاز البالوظة هذا وطباعة احد البيانات التى اصدرتها الحركة الديمقراطية 1948 وكان قد نسخ هذا البيان بخط يده بالحبر الزفر ثم قام بطبعة على البالوظة بعد ذلك، نظرا لوضوح وجمال خطة، وكل هذه الخدمات التى كان يؤديها للحركة الوطنية كانت تعبيرا عن تعاطفه مع هذه الحركة وما تقوم به من اعمال نضالية، كما انه كان تعبير عن رغبته فى المشاركة باى جهد فى النضال ضد الاستعمار البريطانى ونظام الحكم الملكى القائم فى ذلك الوقت، واعتقد أن هناك سببا أخر لا يقل اهمية عن كل ذلك وهو طبيعة  يوسف صديق وما جبل عليه من اخلاق الفرسان وشهامتهم أو ما يسمى باللغة الدارجه المصرية (الجدعنه) والتى تجعله دائما سباقا ومبادرا ومتطوعا لأعمال الفروسية والشهامة، وهذه المسألة هى التى لعبت الدور الرئيسى وربما الأوحد فى مشاركة يوسف فى حركة الضباط الأحرار، وفى ليلة 23 يوليو وهى التى تفسر طريقه تصرفه فى تلك الليلة، ولكن يوسف كان دائما يعبر الى جانب تعاطفه مع نضال الشيوعين المصرين والحركة الديمقراطية عن انتقاداته للشيوعين سواء من الناحية الفكرية، وموقفهم من الدين، أو عن انخراطهم فى الأنقسامية، أو عن اعتمادهم فى النضال على المنشورات والاجتماعات فقط، وكان يعتبر هذه الأساليب غير منتجه، وأن الأمر يتطلب استخدام وسائل اكثر فعالية من الناحية العملية، وهذا بالتحديد هو الذى جعله ينضم الى حركة الضباط الأحرار دون تردد عندما عرض عليه ذلك على أمل أن يجد فى هذه الحركة الاتجاه الى تحقيق الأهداف بوسائل اكثر ايجابية واكثر عملية بحكم الطبيعة العسكرية للضباط، من هذا العرض استطيع أن أقول أن التشخيص الصحيح لموقف يوسف هو: أنه كان متعاطفا مع الحركة الديمقراطية بدرجة كبيرة لكنه فى نفس الوقت كان متعاطفا أيضا مع كل الاتجاهات والتنظيمات، والأحزاب الوطنية، والمعارضه للأستعمار والنظام القائم، وهذا الأتجاه ظل معه حتى النهاية، وهذا يفسر الكثير من مواقفه قبل الثورة أو بعدها، فقد كان يشعر بالأرتباط والأنتماء الى الحركة الوطنية المصرية، بكل فصائلها، وهو ما عبر عنه أزمه مارس 54 بكل وضوح، وكان يعيب عل سلطة يوليو أنها تورطت فى الخصومة مع كل التيارات الوطنية الأخرى ولم يكن ذلك فى صالح الثورة أو الوطن، ويمكننى أن أقول أن كل هذه العلاقات مع الحركة الشيوعية لم تصل الى درجة الأنتماء التنظيمى بشروطه المعروفه سواء مع الحركة الديمقراطية أو مع غيرها، فشروط الأنتماء التنظيمى هى القبول بالفكر والبرنامج واللائحه، والأنتظام فى احدى الوحدات التنظيمية ولم تكن هذه الشروط تنطبق على يوسف صديق من ناحية، بحكم طبيعته وافكاره، ومن ناحية أخرى، بحكم اعتبارات الأمن التى كانت تحول بين ادخال الضباط فى صلب البناء التنظيمى السرى للحركة، لكن الحركة الديمقراطية حلت هذه المشكلة عن طريق أنشاء خاص لضباط الجيش تابع لها، يتكون كله من الضباط، وحلقه الصلة بينه وبين التنظيم، هى أحد هؤلاء الضباط وهو: أحمد حمروش، ويشرف عليه من الناحية السياسية أحد الكوادر السياسية البارزين وهو القاضى (أحمد فؤاد)، وفيما عدا ذلك لم يكن هناك أى أندماج، بين هذا التنظيم، وبين التنظيم الأم للحركة، وعضويه يوسف أو غيره من الضباط فى هذا التنظيم التابع لم يكن معناها أنه عضو فى الحركة الديمقراطية (حدتو).

*س: لماذا أيدت (حدتو) الأنقلاب العسكرى؟ وهل يمكن أن يقوم الجيش بثورة بدل الشعب؟

ج: أيدت (حدتو) حركة 23 يوليو لعدة أسباب: أنها كانت على صلة وثيقة بحركة الضباط الأحرار، من خلال أعضاء تنظيم الجيش التابع لها والذين كانوا فى نفس الوقت أعضاء فى تنظيم الضباط الأحرار، فكانت مشاركة فى هذا التنظيم بهذه الطريقة، وكانت على صله ببعض قيادات الضباط الأحرار وبالأخص (جمال عبد الناصر) الذين كانوا على أتصال بأحمد حمروش، والقاضى أحمد فؤاد، ويوسف صديق، وخالد محى الدين، وكان هناك أعضاء اخرين بتنظيم الجيش التابع لحدتو، لهم دور فى حركة الضباط، ومن خلال هذه الأتصالات كانت حدتو تعلم أن هذه الحركة لها توجهات وطنية، وثوريه معاديه للأستعمار، وللنظام كما وان افكار حدتو كانت تتسع لتقدير الأتجاهات الوطنية التقليدية فى الجيش المصرى منذ أيام عرابى، أذ كانت ترى أن لهذا الجيش طبيعة وطنية مميزه نتيجة لظروفه التاريخية، وأنه ليس كباقى الجيوش فى بعض بلاد العالم الثالث، أو أمريكا اللاتينية، وهى جيوش من المحترفين والمرتزقه، هذا بالإضافه الى أن برنامج الضباط الأحرار الذى تضمنته النقاط السته المعروفه، كان برنامجا وطنيا تقدميا ولم يكن من الممكن لأحد أن يتجاهل هذه الطبيعة فى برنامج الحركة، باعتبارها وثيقه أو عهد بين الحركة وبين سائر الضباط والقوى الوطنية، وهذه أهمية البرامج فى الأحزاب وفى الهيئات فهى ميثاق أو معاهده، وهذا لا يمنع انه يحدث كثيرا أن تخرج بعض الأطراف، على هذه البرامج والمواثيق، ولكنها فى هذه الحالة هى التى تتحمل مسئولية هذا الخروج، وهناك دائما هذا الخطر فى العمل السياسى، ان يخرج حزب او تنظيم او هيئة على البرامج أو المبادئ التى تعهد بها أمام الجماهير، ولكن هذا لا يمنع من تأيد الآخرين له على أساس هذا البرنامج، فاذا التزم به كان ذلك كسبا كبيرا للوطن والشعب، واذا خرج كان هناك اساس لمحاسبته على هذا الخروج وتحميله المسئولية عنه، وفى المقابل لا يمكن لمن يعمل فى الحقل السياسى ان يتجاهل مثل هذه البرامج بحجه ان اصحابها قد ينحرفون عليها، فدائما هناك مخاطر فى العمل السياسى، ولكنها لا تبرر سلبية الناس بالنسبة لمثل هذه الحركات.
يوسف صديق وغيره من الضباط المشاركين فى الحركة، فقد كانت هناك ثقه كبيرة فى وطنيتهم، وفى ثوريتهم، ومن خلالهم كانت هناك درجة من الثقة فى وطنيه الآخرين، وأذكر أننى سألت يوسف قبل الحركة بأيام وكان قد صارحنى بانها على وشك ان تقوم بانقلابها فسالته هل انت على ثقه من وطنية واخلاص المتزعمين لهذه الحركة؟ فاجابنى بانه يعتبر نفسه أقلهم وطنية واخلاصا!! وعلمت فيما بعد أنه كان يقصد جمال وعبد الحكيم ومحمد نجيب، فاذا اضفت الى هذا احمد حمروش واحمد فؤاد وخالد وغيرهم من الضباط فى الحركة، لكان من غير المتصور أن تتخذ الحركة الديمقراطية موقفا اخر، خلاف تايد حركة الجيش، ودعوة الجماهير الى الألتفاف حولها رغم أى تحفظ على الطابع العسكرى تحكمها قواعد محدده أو يحكمها حكم يمسك صفاره ليحدد الصواب والخطأ والثورة عمليه معقدة جدا، تحدث فيها تفاعلات كثيرة جدا، هى التى تحدد مسارها ونتائجها!! وقد كانت الحركة الديمقراطية تفهم الوضع على هذا النحو، وانه يكفى فى البداية هذه الدرجة من الثقة فى وطنية واخلاص القائمين بالحركة ونترك الباقى لدور الجماهير، والحركة الشعبية، والتفاعلات الطبيعية التى سوف تحدث، وهذا هو منطق الثورة، وجميع الثورات تحكمها هذه النظرية.

*س: هل تعتقد انه كان لامريكا دور مباشر فى اقصاء يوسف صديق؟

ج: نعم اعتقد ان لامريكا دور فى اقصاء يوسف صديق بسبب ما كان يعرف عنه من ميول شيوعيه وتمثل ذلك فى امرين:
الأول: غير مباشر، وهو تركيز امريكا فى علاقتها بنظام ثورة يوليو على التخويف من الشيوعين والنفوذ الشيوعى، وتغذية حساسية الضباط من هذا النفوذ أذ رغم ان قيادة الضباط الأحرار ممثله فى جمال عبد الناصر كانوا يتعاونون مع الضباط الشيوعين قبل الثورة، ولكن هذا لا يمنع انه كانت لديهم حساسية ضد الشيوعين وكان تعاونهم مرحليا تكتيكيا كما اتضح فيما بعد، كما وان امريكا كما هو معروف عنها كانت تتخذ من سياسة التخويف من الشيوعين مدخلا لها للتدخل فى شئون البلدان النامية، ومن ثم احتواء النظم الثورية التى تقوم فيها واظهار ان هناك صله مشتركة بين امريكا والنظم فى الكفاح ضد الشيوعية، وهذا المنطق جربته امريكا فى مصر وكانت له نتائج ملموسه، بل ان بعض النظم الثورية ومنها نظام يوليو كان يتعامل مع امريكا على هذا الاساس، ويحاول الحصول على بعض المكاسب او المواقف من امريكا عن طريق اظهار عدائه للشيوعين، وكان ذلك ملموسا فى بداية ثورة يوليو، كما تمثل فى اعدام -خميس والبقرى- على اساس انهم شيوعين رغم انه كان معروفا انهم لم يفعلوا شيئا يستحق الاعدام، كذلك حرص النظام على ابقاء عدد من المعتقلين الشيوعين فى السجون رغم الافراج عن سائر المعتقلين الاخرين لتأكيد موقف النظام من الشيوعيه والشيوعين، والهدف كان التأثير على الموقف الامريكى خاصة بالنسبة لمساعى النظام لإجلاء القوات البريطانية عن مصر ولضمان تأيد امريكا لهذه المساعى.
ثانيا: كانت هناك مواقف مباشرة وتدخلات من السلطات الامريكية للتحذير واثاره الشكوك حول يوسف صديق باعتباره ممثلا لوجود نفوذ شيوعى فى الثورة والتحريض على التخلص منه، واذكر انه فى بداية الثورة نشرت مجلة تايم الامريكية موضوعا عن الثورة تكلمت فيه عن يوسف صديق باعتباره ضابطا احمرا، وهذه المجلة معروفة بعلاقتها الوثيقة بالمخابرات الامريكية، وكان لهذا المقال تأثير واضح على علاقة يوسف بمجلس الثورة.

*س: كنت مع يوسف ليلة قيام الثورة فما هى ذكرياتك عنه فى تلك الليلة؟

ج: كنت اعلم أن يوسف صديق قد انضم الى تنظيم الضباط الاحرار، وان هذا التنظيم يحضر لعمل ثورى، وفى يوم 22 يوليو 52 كنت ازوره بمنزله بحى شبرا، بجوار شارع خلوصى فأخبرنى بان الضباط قرروا القيام بحركتهم الليلة، وانه سيشترك فى هذه الحركة، ثم جلست أناقشه محاولا التأكد والاطمئنان الى صواب هذا العمل، ومدى الثقة التى يوليها للمشاركين فيها من ناحية توجههم الوطنى، ومدى صدق وطنيتهم ثم مدى امكانية الثقة الشخصية فيهم وأدركت من ردوده أن ثقته بمن يعرفهم من أعضاء هذا التنظيم لا تتزعزع، كما أدركت أنه لا يوجد شئ يمكن أن يوقف اندفاعه فى المساهمة فى هذه الحركة، فتمنيت له التوفيق وأنا أضع يدى على قلبى، ثم طلب منى ان أرافقه فى رحلته الى حيث يبدأ عمله فى هذا الشأن، فخرجت معه من بيته وكان ذلك فى بداية المساء حوالى الساعة السابعة مساء تقريبا، ومشينا فى شارع خلوصى الى دوران شبرا، وهناك طلب منى الانتظار للدخول الى عيادة الدكتور -عبد العزيز الشال- الذى كان يعالجه من نزيف الرئه، لاخذ حقنه توقف النزيف وانتظرت الى أن دخل واخذ الحقنه كما اخبرنى، ثم خرج وتوجهنا الى محطة الاتوبيس وركبنا اتوبيس رقم 8 الذى سار بنا من شبرا الى ميدان العتبه، وفى العتبة نزلنا وركبنا اتوبيس 10 المتجه الى مصر الجديدة، وهناك نزلنا فى محطة روكسى فى أول مصر الجديدة وانتظرنا على المحطة بعض الوقت حتى حضرت سيراة جيش من نوع بيك أب فتوقفت واستقلها يوسف، مع من كان بها اذكر انه كان بها احد الضباط والسائق، ومضت السيارة فى طريقها الى معسكر هاكستب، وعدت ادراجى وظللت لا اعرف شيئا عما يحدث الا فى صباح 23 حيث كنت انتظر سماع الاخبار فى الراديو، فسمعت البيان الصادر من قيادة الجيش باسم اللواء محمد نجيب، والذى اعلن قيام حركة الجيش، وعلمت ان الحركة قد نجحت فى الامساك بزمام السلطة فى الجيش، ومن ثم انفتح امامها الطريق الى السلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق