بقلم: مصطفى أمين
جريدة الأخبار بتاريخ 25 مارس سنة 1954
فقد أبلغ الرئيس نجيب الى أعضاء مجلس الثورة أمر هذه الرسالة عندما تلقاها على ورق أحمر منذ بضعة أيام!
ولكن الجديد فى الموقف أنه لم يصدر حتى الآن أيه تصريحات رسمية من رئيس الجمهورية، وهو رئيس الوزارة فى الوقت نفسه، عن رأى الحكومة فى أقتراح القائمقام صديق! أم هل هو أقتراح لشخص غير مسئول؟ وهل القائمقام من الذين يرسمون اليوم سياسة الدولة، أم أنه لا يزال بعيدا عن مزاولة نشاطة السياسى منذ استقال من مجلس قيادة الثورة لمناسبة ما قيل عن تدبيرة لانقلاب عسكرى، أو ما قيل عن ميوله الحمراء". فأبعد الى أسوان، ثم سافر الى سويسرا للعلاج، ثم عاد فجأة الى مصر.. ثم عين ملحقا عسكريا فى الهند، وهل هو اقتراح يمكن أن ينظر اليه نظرة عابرة.. أم أنه أخطر من هذا وأدق، فهذه أول مرة فى تاريخ مصر، يذكر فيه أن الوزارة سشترك فيها شيوعيون!
ولا يجوز أن يأخذ هذا الاقتراح عن غير محمل الجد، فقد سبق للشيوعيين أن دخلوا وزارة ائتلافية فى رومانيا وكان من بين أعضائها وزراء من اليمين ومن أقصى اليمين، ودخلوا بوزير شيوعى واحد! .. وبعد قليل أصبح الوزير ثلاثة.. وبعد قليل أيضا طلب الشيوعيون وزارة الداخلية.. وبعد قلبل طلبوا حكومة جديدة فيها وزير المواصلات شيوعى ونائب رئيس الوزراء شيوعى ووزير الداخلية شيوعى.. وبعد ثلاثة أسابيع طردوا مجلس الوزراء كله وتألف وزارة شيوعية كاملة بعد اخراج أعضاء الوزارة المؤتلفة من اليمين واليسار وانتهى الأمر كما هو معلوم بأعلان الحكم الشيوعى فى رومانيا كلها..
وحدث مثل هذا فى المجر وفى تشيكوسلوفاكيا، وفى غيرها من البلاد التى انضمت تحت الستار الحديدى، حيث لا حكم نيابى، ولا حرية، ولا حرية صحافة، ولكن فيها محاكم ثورة، ونظام بوليس، وجاسوسية على نطاق واسع، وأوامر تصدر من موسكو بتعيين الوزراء واقالة الوزارة.
فالدهشة التى يقابل بها مثل اقتراح القائمقام يوسف صديق الذى يجمع الشامى على المغربى، والوفدى على الاشتراكى، والأخ المسلم على الشيوعى، هى دهشة الذين لم يقرأوا التاريخ الحديث، ولم يقرأوا شيئا عن التكتيك الشيوعى.
وقد كان الناس يريدون بيناً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة عن رأيه فى هذا الاقتراح، فالسوق مليئة بالأشاعات، لا نعرف ما نصدق منها وما نكذب، وما نأخذ منها وما ندع، فقد سمعنا اشاعة بأن هناك فكرة لتأليف وزارة مدنية! ثم سمعنا اشاعة بأن الرئيس على ماهر هو المرشح لرياسة الوزارة.. ثم قرأنا فى صحيفة الجمهورية هجوما عنيفا ضد على ماهر، وسياسة على ماهر، فغلب الظن أن هذه الاشاعة غير صحيحة! ثم سمعنا اشاعة بأن هناك فكرة فى انشاء مجلس جمهورى، وأن الرئيس نجيب اقترح ان يضم ثلاثة من الوفدين وثلاثة من السعديين وثلاثة من الدستوريين ثم قرأنا فى جريدة الجمهورية لسان حال الثورة هجوما على الوفديين والدستوريين والسعديينجميعا، وهجوما على وزير المالية الدكتور عبد الجليل العمرى والمستشار الجمهورى سليمان حافظ لأنهما زارا ابراهيم عبد الهادى رئيس السعديين، وبعد هذا سمعنا اشااعة أن الوزارة المدنية سيرأسها الدكتور السنهورى.. واشاعة أخرى أن الوزارة سيرأسها الدكتور بهى الدين بركات.. واشاعة ثالثة أن الوزارة سيرأسها الأستاذ عبد الرحمن عزام.. وقرأنا يرما أن الحزب الجمهورى سيتألف برياسة نجيب، وقرأنا فى اليوم التالى أنه عدل عن انشاء الحزب الجمهورى، وقرأنا فى اليوم الثالث أن الرئيس نجيب سيبقى بعيدا عنالاحزاب، ثم قرأنا تصريحا للصاغ خالد محى الدين بأنه سيرشح نفسه على مبادئ الحزب الجديد، وأنه سيكون فى جناحه التقدمى! ثم قرأنا تصريحا للبكباشى جمال عبد الناصر بأنه ثائر وليس سياسيا وقرأنا أن أعضاء مجلس الثورة لا يتقدمون للانتخابات لأنهم ثوار وليسوا سياسيين وهكذا يمكن تلخيص الموقف بأنه سلاطة والسلاطــة أنواع: سلاطة (بلدى) وسلاطة بالخضروات وسلاطة طحينة وأخيراً "سلاطة روسى"! والذى نرجوه أن نعرف من مسئول (صاحب سلطة) نوع (السلاطة) التى تطبخ الآن.
مصطفى أمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق