فى أوائل سنة 1953 كنت متزوجة حديثا من الأستاذ محمود توفيق ابن خال والدى، وكنا نعيش فى بداية حياتنا فى منزل والده بقريتنا (زاوية المصلوب) بالواسطى، حيث كان يعمل زوجى محاميا، وكنت فى شهور حملى الأولى، جاء أبى لزيارتنا وقضاء عدة أيام معنا بعد خلافه مع زملائه بمجلس قيادة الثورة، وبعد أيام جاء الى منزلنا بعض ضباط الصف الثانى لمقابلة والدى أذكر منهم عبد المجيد شديد والسقا ووحيد رمضان وآخرين، جاءوا لمقابلة والدى والاجتماع به لمحاولة تخفيف حده الخلاف بينه وبين زملائه وتم الاتفاق على أن يسافر أبى الى أسوان لفترة قصيرة فى محاولة لتهدئة النفوس، وكان زوجى طوال اليوم يقوم على ضيافتهم واستقبالهم واكرام وفادتهم وحسن وداعهم عند الانصراف.
وسافر والدى الى أسوان، وفى فجر اليوم التالى حضر رجال البوليس الى منزلنا حيث تم القبض على زوجى وارساله الى معتقل جبل الطور وعرفت فى نفس اليوم أنه قد تم القبض على عدد من شباب العائلة.
سافرت الى أسوان لأكون مع والدى الى أن يتم البت فى أمر زوجى، فوجدته يعيش فى أحد الاستراحات الحكومية ويرافقه ضابطين هما محمد السقا ووحيد رمضان وكنت أعرفهما جيداً حيث كانا يأتيان كثيراً لزيارة والدى بمنزلنا بالعريش قبل قيام الثورة بشهر، وبالطبع علم والدى بقصة القبض على زوجى وعلى أقربائه، وفهم أت هذا الاجراء يمثل نوعا من الضغط عليه لكى يتراجع عن موقفه.
وفى هذه الفترة التى قضيتها مع والدى فى أسوان، صدر عدد من مجلة المصور فى فبراير سنة 1953 وبه هدية عبارة عن صورة أعضاء مجلس قيادة الثورة هم: الرئيس اللواء/ محمد نجيب - بكباشى جمال عبد الناصر - بكباشى أنور السادات - بكباشى حسين الشافعى - بكباشى يوسف صديق - بكباشى عبد المنعم أمين - بكباشى زكريا محيى الدين - صاغ صلاح سالم - صاغ عبد الحكيم عامر - صاغ خالد محيى الدين - صاغ كمال الدين حسين - قائد جناح عبد اللطيف البغدادى - قائد جناح جمال سالم - قائد أسراب حسن ابراهيم . ولكن الهدية الموجودة داخل العدد أمر جمال عبد الناصر بمصادرتها وفعلا تم جمعها من داخل العدد، ولكنى حصلت عليها وهى تحت يدى للآن، حيث علمت بعد ذلك بسنوات فى حديث للكاتب "حلمى سلام" فى مجلة صباح الخير العدد 1492 يوم 9 أغسطس سنة 1984 قال فيه "أذكر أننى بعد فترة قصيرة من قيام الثورة، أقنعت جمال عبد الناصر أن يقوم مصور دار الهلال بالتقاط صورة جماعية لأعضاء مجلس قيادة الثورة ونقوم بتوزيعها بمثابة هدية مع مجلة المصور ووافق جمال عبد الناصر على الاقتراح ورحب به أصحاب دار الهلال، وتم تصوير أعضاء مجلس قيادة الثورة، وأعدت الصورة الهدية، وذات مساء، قبل نزول المصور الى الشارع بيوم واحد، اتصل بى جمال قائلا: يا حلمى ألغى فكرة الصورة الهدية، فقلت بدهشة: لكن أحنا طبعناها فعلا وجاهزة للتوزيع مع المصور غداً، فرد بحدة: لا الغى الهدية وتعال حالا عندى هنا، وذهبت فى الحال الى جمال عبد الناصر وشرح لى الأسباب التى دفعته الى الغاء الصورة الجماعية قائلا: ماتتضايقش يا حلمى لأن فيه اثنين من الذين يظهرون فى هذه الصورة وسيراهم الناس غدا سوف يختفون بعد فترة وأنا لا أريد الناس أن ترانا اليوم وبعد فترة يجدونا وقد نقصنا اثنين، وسألته عن الأسمين فقال: يوسف صديق وعبد المنعم أمين.
ومن هنا نرى النية كانت مبيته للتخلص من والدى رغم أن الاتصال به كان مستمرا فى أسوان فى محاولة أو للتظاهر بأن هناك جهودا تبذل لتقارب وجهات النظر.
بعد عودتنا من أسوان والأفراج عن زوجى كان رفاق والدى من مجلس قيادة الثورة يحضرون الى منزل والدتى بحلمية الزيتون لمقابلته ومواصلة المناقشات حول الموقف السياسى وكان صلاح سالم يتناقش بعصبية قائلا "ايه يعنى لما نعدم مليوم شخص فى سبيل نجاح المسيرة وحتى لا تنتكس ثورتنا كما انتكست ثورة 1919".
فقال له أبى لم نقم بالثورة من أجل اعدام المصريين والتنكيل بهم وليست هذه مبادئى التى قمت من أجلها ليلة 23 يوليو سنة 1952، وعلى العموم شد حيلك يا صلاح المهم أن أبى وجد المناقشات تدخل فى طريق مسدود، ثم تم الاتفاق على سفره الى سويسرا للعلاج ولم يعلم أنما هو ابعاد عن وطنه، وجاء جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ومعهم وحيد رمضان ومحمد السقا ومحمود الجيار لوداعه قبل سفره فكانت الصورة "على سلم الفيلا بحلمية الزيتون" وكانوا جميعا بالملابس العسكرية وهو بينهم بالملابس المدنية (مارس سنة 1953).
بعد قبول استقالته من مجلس قيادة الثورة سافر والدى الى سويسرا فى مارس سنة 1953 وبعد 3 شهور طلب العودة الى وطنه ولكنهم رفضوا فسافر الى لبنان فى شهر يونيه سنه 1953 وقد وصف فى قصيدته (من الجنه) احساسه المرير بالمنفى والابعاد والغربة خارج البلاد بعد قيامه بالعمل البطولى فى ليلة 23 يوليو سنة 1952، حتى وصف نفسه بالشهيد الذى دخل الجنه، وطلب العودة مرة أخرى من لبنان فرفضوا وأرسلوا له وزجته السيدة/ عليه توفيق وطفليها حسين ونعمت، ولكنه عاد سرا وفجاءة فى أغسطس سنة 1953 حيث جاء الى بلده (زاوية المصلوب) وأرسل برقية الى الرئيس محمد نجيب قال له فيها (أنا وصلت مصر) حيث قرر المجلس تحديد اقامته فى بلدته حيث حوصر المنزل بعدد كبير من الجنود والمخبرين، ثم سافر الى القاهرة فى أوائل العام الدراسى مع استمرار تحديد اقامته بالمنزل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق