اللقاء الثانى

أنتهى الطريق الصحراوى دون ظهور أى بادرة على أن الخطة العامة قد وضعت موضع التنفيذ فأى قوةحصار لمنع تسلل غير الأحرار لابد أن توضع فى مكان ما على هذا الطريق.. وقد انتهى الطريق، وليس هناك غير أحد احتمالين، فاما أن يكون التأخير فى التنفيذ هو السبب وأما أن تكون الخطة لم توضع موضع التنفيذ لسبب لا أدرية.
وبدأ دخولنا مصر الجديدة (بصينية مرور) أخرى مشابهة لتلك التى تم عليها اللقاء الأول وعندما وصلت عربتى الى منتصف (الصينين) ولكن من الاتجاه السليم فى هذه المرة، أخبرنى الضابط المكلف بمراقبة الخلف بأن القوة قد توقفت.. ولاحظت أنه كان على الجانب الآخر للصينية، جندى يقود سيارة من سيارات كبار الضباط، وعلى وجهة علامات الذعر الشديد بادية بوضوح رغم ضعف الاضاءة، وظننت أنه ربما يكون فى حالة خطأ ما كأن تكون معه فى العربة امرأة أو غير ذلك من المخالفات ولم أعره انتباها لأننى كنت مشغولا بما هو أهم وأخطر وأوقفت عربتى، ونزلت مسرعاً لأرى سبب توقف القوة.
واكتشفت السبب، فلقد كان صاحب العربة التى على الجانب الآخر للصينية هو الأميرالاى (عبد الرؤوف عابدين) قائد ثانى فرقة.. الذى كان فى طريقه الى المعسكر، فلما رأى القوة قادمة، نزل من سيارته وتوجه الى أول لورى يحمل ضباطا وجنودا أى اللورى الذى يسير خلف عربة القائد الأسير فأوقف اللورى... وكان الضباط يجلسون بجوار السائق، فسأل أحدهم وكان الملازم أول (حسن شكرى)، الى أين يا حسن؟ فرد الضابط: طوارئ يا فندم، ومن معكم يا حسن؟ ... سعادة اللواء فى عربته التى أمامنا يا فندم.
وحين وصلت أنا مترجلا الى أن صرت أمام عربة اللواء كان القائد الثانى قد وصل من الجانب الآخر وحيا قائده، واعتقد أنه كان يظن أنه على رأس القوة وحاول أن يذهب الى عربته غير أن اللواء سهل على الأمر ففتح له باب العربة وطلب اليه الجلوس بجانبه، فأراد القائد الثانى أن يستفسر و (يرغى) غير أن القائد أمره بحزم أن يجلس بجانبه فركب على مضض، عدت الى عربتى فى مقدمة القوة، والدم يغلى فى عروقى من شدة الغيظ.. فجرائمى تزداد على الطريق، وليس هناك ما يدل على أن الخطة فى التطبيق، فهذا أسير جديد أحمله معى وأنا أسير فى ظلام حالك ولا أفهم معنى لما يجرى ولا شك أن تواجد هذا الضابط الكبير فى مثل ذلك الوقت يعنى شيئاً، وأن كان وجود الأسير الأول قد جعلنى فى شك من الأمر فان وجود الأسير الثانى يجعلنى فى حالة يقين بأن هناك ما يجرى وأجهله، وآن لى أن أعرفه؟؟ 
وفكرت فى طريقة للاتصال (بجمال) وخطر لى أن استدعى (زغلول) من مؤخرة القوة فلعله يدرى مكان (جمال) ولطنى رأيت أن ذلك يستغرق وقتا، وكل الدلائل تشير الى قيمة الوقت، كما خشيت أن أبدو أمام الأسيرين الكبيرين فى موقف ضعف قد يجعلهما يستردان سلطتهما على الجنود واحتملت أسوأ الاحتمالات أن تكون الخطة لم توضع موضع التنفيذ فماذا يكون تصرفى؟؟ فرأيت أنه لم يبق أمامى الا التوجه الى القيادة العامة فى (كوبرى القبة) وقد أصبحت قريبا منها، فان لم أجدها محتله أحتلها بقوتى الصغيرة وليكن ما يكون، وعلى كل حال فالقيادة العامة ليست بها قوات حراسة أكثر من (القرة قول) العادى وهذا لا يزيد قوته عن سبعة جنود ولا يحمل كل منهم أكثر من 5 طلقات ذخيرة أو 10 على أكثر تقدير، لقد كانت حاجتى للاتصال (بجمال) شديدة لعله يلقى بعض الضوء على ما يجرى وقررت احتلال القيادة وبأسرع ما يمكن.
وبدأت أتحرك على هذا الأساس، احتلال القيادة العامة والدفاع عنها لآخر طلقة وآخر رجل لم يكن أمامى حل آخر فى هذا الضياع الذى كنت فيه.
فى المدن تتحدد للقوات العسكرية طرق تلتزم بالسير فيها ويراعى فى هذه الطرق أن لا يكون فى وسط المدينة تجنبا للزحام وتوفيرا للوقت.
والطريق الذى كنت أسلكه نحو القيادة هو طريق أعرفه جيداً وقد سرت فيه مئات المرات أن لم يكن آلاف المرات ليلا ونهاراً.. وكذلك يعرفه السائق جيدا، ولكنى ما كدت أتحرك من (الصينية) وأصل الى شارع ( السلطان حسين) فظننت أنه الطريق المعتاد فأمرت السائق بالدخول فيه وعارضنى السائق لتأكده من أنى على خطأ فنهرته بصوت اختلط فيه الحزم بالغضب بالاضطراب.. بكل ما اعانى. فرضخ للأمر ودخلنا فى الطريق الخطأ ولم نسر فيه أمتارا حتى تبينت أنه لم يكن الطريق الصحيح وأن السائق كان على حق فى اعتراضه.
غير أننى لم أجد داعيا الى تصحيح الوضع لأننا كنا بعد انتصاف الليل والطرق خالية ويمكن أن نصحح وضعنا فى أول فرصه ممكنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق