الخطــة

مرت الخطة فى رأسى كشريط السينما... لقد وجدت أن أوزع فصائلى على النحو الآتى:
* نقطة التجمع لاصدار الأوامر هى أمام الكوبرى المواجه للمستشفى.
* الفصيلة (1): تبقى فى اللورى ولا تترجل -وتسرع باللورى بالالتفاف من خلف القيادة لتصل الى مكانها لتقفل الطريق عند باب السوارى لمنع تدخل أى قوات- والقبض على أى ضابط من غير الأحرار وأرساله الى المعتقل.
* الفصيلة (3): تبقى فى مكانها لقفل الطريق أمام الكوبرى عند نقطة التجمع لمنع أى تدخل أى قوات آتية من ناحية مصر الجديدة أو كوبرى القبة والقبض على أى رتبة من غير الأحرار وارسالها للمعتقل.
* الفصيلة (2): تقوم بمهاجمة القيادة العامىة تحت قيادتى، وكان قائد الصيلة الملازم أول (أسماعيل طه الشريف).
يشرف عبد المجيد شديد على الفصيلتين 1، 3 وقد وضعت هذه الخطة على أن تتحاشى الفصيلة (1) التعرض لحرس القيادة الذى قد يعطلها ويشغلها عن القيام بواجبها غير أننى عندما وقفت عند نقطة اصدار الأوامر لم ينتظر الجنود أوامرى بالنزول من العربات ولكنهم قفزوا من اللورى واصطفوا بجانبها وعلى رأسهم ضباطهم وبذلك أفسدت على الفصيلة (2) الحنكة التى كنت قد دبرتها لوصولها الى مكانها باللورى وفى الحال أصدرت اليها الأمر بالتوجه بالخطوة السريعة الى مكانها متخذة الجانب الأيسر من الطريق لعدم التعرض لحرس القيادة وأنها لا تشتبك معه وتسرع الى مكانها.
وعندما كنت أصدر أوامرى للفصائل لاحظت أن (جمال) وعبد الحكيم كانا يقفان عند النقطة (أ) ولما وصلت مع الفصيلة (2) الى قرب باب القيادة لمهاجمتها سمعتطلقات من الفصيلة (1) فظننت أنها اشتبكت مع الحرس مخالفة الأوامر، وكانت قد وصلت الى النقطة (ب) أى تجاوزت باب القيادة.
وفوجئت بحرس القيادة يطلق نيرانه علينا، فاشتبكت معه بالفصيلة (2) ولم تدم المعركة أكثر من دقيقتين أو ثلاثة على أكثر تقدير، نفذت بعدها ذخيرة الحرس كما كنت أتوقع وأستسلم الحرس وأصبحت القيادة فى يدى.
ولم يشتبك ضباط الاجتماع معى وكانوا فى الدور العلوى من مبنى القيادة، وأسفر الاشتباكعن قتيلين من رجالى ومثلهما من الحرس وأكملت تفتيش الدور الأرضى من القيادة وتأكدت من خلوه من أى قوات، ووضعت حراسة على الاماكن الحساسة فيه، وهممت بالصعود الى الدور العلوى حيث مكان الاجتماع.
كانت القوة الباقية من الفصيلة الوحيدة التى أقودها لاحتلال القيادة بعد توزيع الحراسات المطلوبة قد أصبحت صغيرة أقل من 10 جنود ولكننى لم أكن أتوقع مقاومة كبيرة من ضباط الاجتماع.
ولكن الله كان معنا، ففى هذه اللحظة التى أحسست فيها بقلة قوتى، فوجئت بالصاغ (حسن أحمد الدسوقى) على رأس قوة من نحو 20 جنديا وقدم نفسه لى قائلا أن البكباشى (زكريا محيى الدين) قد أرسله لتعزيزى.
وكانت لى معرفة (بحسن الدسوقى) فقد جمعتناالخدمة معاً فى الماضى وكنت أعرف مدى شجاعته وأخلاصه وحسن تصرفه فحمدت الله على هذا العون الذى جاء فى وقته بالضبط، وباضافة قوة حسن العسكرية أصبحت أملك قوة لا بأس بها لاستئناف العمل.
وعلى سلم الدور العلوى اعتراضنى (جاويش) وحاول منعى من الصعود، فأفهمته بأنه لا جدوى من مقاومته، فأصر على أن لا أمر الا على جثته.
كان الوقت مهما والأعصاب متوترة، ووجدتنى مضطراً لأن أطلق عليه طلقة فى رجله حتى يفسح الطريق، ولم أندم على عمل فى تلك الليلة سوى هذا الاعتداء على الجاويش الشجاع الأمين الذى أراد أن ينفذ أوامر قيادته بكل اخلاص، ويؤسفنى أننى علمت بعد ذلك أنه (مات) مع أننى أمنا قصدت أصابته.. ولم أقصد قتله.
وأستأنفت صعودى الى الدور العلوى يرافقنى (حسن أحمد الدسوقى)، وجنوده فلما وصلت الى باب (القائد) وجدته موصداً وحاولت فتحه بمقاومة واذا بجنود (حسن) يطلقون النار على الباب بدون أوامر، وتبين أن المقاومة كانت بسبب كرسى وضع خلف الباب وكانت الحجرة مظلمة ولكن بعد اطلاق النار على الباب وفتحه أضاءت لأجد أربعة مناديل بيضاء تطل من وراء (برفان)، وهى علامة استسلام.
وخرج الضباط من وراء (برفان) وكان على رأسهم الفريق (حسين فريد) قائد الجيش ومعه الأميرالاى (حمدى هيبة) وضابط آخر من هيئة الأحكام العسكرية برتبة عقيد ورابع لا أعرفه، ولا أحب أن أترك هذا الموقف بلا تعليق، فقد كان الفريق (حسين فريد) رابط الجأش ثانياً وكان يبدو طبيعياً، لا أثر للخوف على وجهه، لقد كان أشجع من قابلت فى تلك الليلة من رجال الجيش خارج التنظيم (حسين فريد) جمعتنى به الخدمة قبل ذلك مرتين الأولى عندما كنت تلميذاً بالمدرسة الحربية وهو استاذى فيها، والثانية وأنا ضابط مدرس (بالكلية الحربية) وهو رئيسى فى العمل، ولا أترك الكلام قبل أن أوجه له تحية هو أهل لها.
ولقد كان الظلم يغمرنى وأنا فى الجيش فى السنة الأخيرة وكنت أطلب مقابلته لعرض مظالمى عليه ومكثت أكتب لمدة عام طالباً ذلك واثقاً من عدله ونزاهته دون جدوى.. وهكذا شاء القدر أن نلتقى على هذه الصورة.
ورافقت قائدى واستاذى الى باب القيادة حيث حييته وسلمته (لعبد المجيد شديد) هو ورفاقة ليودعهم المعتقل.. وعلى باب القيادة فوجئت بالقائمقام مقام (أحمد شوقى) فى ملابسه الرسمية ولم أكن أعلم بوجوده فى الضباط الأحرار وعلمت أنه جاء بكتيبته متطوعا فى تلك الليلة، وحيانى بابتسامة رقيقة وانصرفت عنه لاستئناف عملى.
فلقد كان معنى وجود هؤلاء الضباط فقط فى مكتب القائد أن الاجتماع قد ينتهى، وعاد القواد الى وحداتهم لممارسة المقاومة وكان على أن أعد قواتى لأى اشتباك محتمل.. وفورى.
وعلى الرغم من وجود العشرين عسكرى بقيادة (حسن الدسوقى) فقد كانت القوة ما تزال أصغر من القيام بواجب الدفاع على الوجه المطلوب.
وعلمت أن جناحى الفصيلة (1) والفصيلة (3) قد قاما باعتقال عدد كبير من الضباط الجيش وضباط الشرطة الذين كانوا فى طريقهم الى العمل ضد الثورة وأنهم وضعوهم جميعاً فى المعتقل، وهكذا كان توفيق الله فى سلامة الخطة الصغيرة.
وعلى ذكر الخطة، أقول أننى على الرغم من أننى كنت (مذاكر) كويس وأعرف أن الخطة، أى خطة مهما كانت بسيطة أو لعمل بسيط يجب أن يكون لها (احتياطى) ليقابل أى أحتمال مفاجئ، من الطريق الرابع كما تقول الكتب العسكرية، وعلى الرغم من أننى تذكرت (ثروت عكاشة) فى أكثر من مناسبة فى تلكالليلة بسبب كثرة تساؤلاته واستيضاحاته فى ليلة التعارف التى تمت فى منزل السيد (حسين الشافعى)، تجنباً للوقوع أمام خطر (الطريق الرابع) على الرغم من ذلك كله فاننى لم أجعل لهذه الخطة (احتياطيا)، ولم يكن ذلك لجهل بفائدة الاحتياطى وانما لفقر فى القوة فرضته الظروف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق