بعد أن تسلمت عملى فى (الأورطة) وهو الاسم السابق(للكتيبة) عرفت أن (أركان حرب) الأورطة وهو أهم ضابط فيها وكان فى تلك الأيام برتبة (صاغ) أى (رائد) بلغة العصر حيث كانت أوامر تعتبر أوامر القائد، ولذلك كان يكتب فى نهاية أوامره المكتوبة كلمة (بالأمر) أى بأمر القائد، عرفت أن هذا الضابط المهم بلدياتى وسرتنى هذه المعرفة كثيراً وقد ربطتنى علاقة ما بأخطر ضابط فى الكتيبة، وذات يوم كنت أقف أمام حجرتى بميس الضباط وهو مسكنهم فى القشلاقات وكان يوم الجمعة وكنت قد لبست ملابسى وتهيأت لصلاة الجمعة، فوجئت بصول (تعيين) الكتيبة مقبلا نحوى وفى يده أوراق فلما أقترب منى حيانى وقدم لى الأوراق وطلب منى التوقيع عليها وأشار لى الى مكان التوقيع تسهيلا منه، وكنت قد تعلمت بالمدرسة الحربية ألا أوقع على أى ورقة دون قراءة ما فيها لأن التوقيع يجعلنى مسئولا عما فيها ولا يعفينى أن أوقع بدون علمى بمحتويات ما وافقت عليه لأى سبب، ولما أخذت فى القراءة استعجلنى حضرة الصول وأخبرنى أن حضرة أركان حرب يريد منى أن أوقع على هذه الأوراق وأن (أركان حرب) موقع عليها وأشار لى الى توقيعه وقال لى أنه فى أنتظار الأوراق وأشار لى الى مكانه فرأيته يمتطى جواده على قيد خطوات.
خطر على بالى الريفى خاطر وأنا فى هذا الموقف هو أن حضرة الأركان حرب يختبر كفاءتى فى العمل وتمسكى بالقوانين وصممت على اجتياز الامتحان بنجاح فاستمررت فى قراءة الأوراق بعناية غير أن الأركان حرب نادى على الصول وأمره باحضار الأوراق اليه فوراً فسلمت الأوراق الى الصول وأنا راض عن نفسى وتأكدت من أنى نجحت فى الاختبار بتفوق.
وكنت قد عرفت مما قرأت فى الأوراق أن الموضوع يتعلق (بلجنة حلو)وهى لجنة تتشكل من حين لأخر من رئيس وعضوين من الضباط لعمل (حلو) للترفية عن الجنود )أى حلو) كالمهلبية أو شراء فاكهة توزع على الجنود أو مثل ذلك وكانت هذه اللجنة كما فهمت من الأوراق لعمل مهلبية وقد كانت تشير الى صرف كذا أقة سكر وكذا أقة نشا وكذا رطل زبيب بمكاييل ذلك الزمن.
وبعد الظهر تلاقيت مع بعض زملائى من الضباط فقصصت عليهم قصة الاختبار الذى تعرضت له وشرحت لهم فى زهو كيف أننى اجتزته بنجاح.
وهنا سمعت من الضباط كلاماً عجباً.. وأنذرونى بالويل والثبور وعظائم الامور كما يقولون.. كان كلام الضباط وتعليقهم على الحادث يعنى شيئاً خطيراً أنهارت أبدأ حياة الجندي كما أتصورها على أساسها : الجندية التي عاشت في تصوري إلى هذه اللحظة المثل الأعلى للكرامة والشهامة والشرف الجندي هو الرجل الذي يقدم حياته في سبيل الحق والكرامة والشرف ، هل يمكن أن يكون هذا الجندي لصاً و لصاً حقيراً .
لقد كانت أقة السكر بقرشين وبحسبة بسيطة يتضح أن محتويات اللجنة لم تكن تزيد عن جنيهين اثنين فهل ينحط ضابط كبير إلى درجة أن يعمل (لجنة صورية) تمكنه في النهاية من سرقة جنيهين أو ثلاثة على أكثر تقدير ... !
لم أنم تلك الليلة من الهم وكان تأثير الصدمة علىّ بالغ الأثر وكان عزائي الوحيد هو أن رأي هؤلاء الضباط خاطئ وانه لا يمكن أن تكون الأمور تجري على هذه الصورة .
وفي الصباح بدأت أشعر بحقيقة هذه الكارثة فقد بدأ حضرة (الأركان حرب) في اضطهادي بشكل سافر واضح .
وفي هذا اليوم قدمت استقالتي من الجيش ، ورغم انني كنت رجلاً فقيراً وفي حاجة إلى وظيفتي ومرتبي أقدمت على تقديم استقالتي وأنا لا أعلم كيف سيكون مصيري ومستقبلي قدمتها وأنا أشعر براحة تامة واعتقاد راسخ أنني أقوم بالعمل الصحيح.
وكان الملازم أول (عبد المنعم الرشيدي) وكنا نسميه (شيخ الملازمين) حيث كان قد مضى عليه ثلاثة عشر عاماً في رتبة الملازم وكان أقدم ملازم في الجيش كله لا في كتيبتنا ، كان رحمه الله يحبني لأنني كنت أقوم ببعض عمله علاوة على عملي ، فلما سمع بخبر الإستقالة أسرع إلى مكتب القائد وسحبها و جاء إلىّ فوجدني في حالة نفسية سيئة ولكنه حدّثني حديثاً مقنعاً جعلني أرضى عن سحب الإستقالة .
كانت خلاصة نصيحة (الرشيدي) لي هو انني على حق في الإعتقاد بأن الجندية هي المثل الأعلى للكرامة والشهامة والشرف ، وأن الخدمة في الجيش على ما هي عليه كما اكتشفتها هي الخدمة في أفضل مكان في مصر تتوفر فيه هذه المعاني وإنني إذا تركت الجيش وعملت في الخدمة المدنية سوف أعيش بين أناس تتجلّى بينهم الرزيلة والصفات الذميمة بصورة أبشع بكثير مما رأيت في الجيش وأنه علىّ أن أصبر في أنظف مكان و هو الجيش حتى تعلوا بي الرتب فأستطيع أن أصلح الأوضاع.
واقتنعت على مضض واستأنفت عملي كضابط في الجيش (جلالة الملك) ولكن بمفاهيم جديدة حيث اكتشفت وأنا في الشهور الأولى من خدمتي العسكرية أن الإنجليز لا يمثلون أعداءنا الوحيدين .
وإن هناك أعداء لنا من بيننا بدأت مشاعري وأحاسيسي تختزن الكراهية لهم ووضعهم في قائمة الأعداء عند نظر قضية التحرير .
كانت المصيبة أكبر من طاقتي وقوة إحتمالي وأنا في هذه السن المبكرة أضع رجلي على أول درجات الحياة العملية .
لقد كانت أقة السكر بقرشين وبحسبة بسيطة يتضح أن محتويات اللجنة لم تكن تزيد عن جنيهين اثنين فهل ينحط ضابط كبير إلى درجة أن يعمل (لجنة صورية) تمكنه في النهاية من سرقة جنيهين أو ثلاثة على أكثر تقدير ... !
لم أنم تلك الليلة من الهم وكان تأثير الصدمة علىّ بالغ الأثر وكان عزائي الوحيد هو أن رأي هؤلاء الضباط خاطئ وانه لا يمكن أن تكون الأمور تجري على هذه الصورة .
وفي الصباح بدأت أشعر بحقيقة هذه الكارثة فقد بدأ حضرة (الأركان حرب) في اضطهادي بشكل سافر واضح .
وفي هذا اليوم قدمت استقالتي من الجيش ، ورغم انني كنت رجلاً فقيراً وفي حاجة إلى وظيفتي ومرتبي أقدمت على تقديم استقالتي وأنا لا أعلم كيف سيكون مصيري ومستقبلي قدمتها وأنا أشعر براحة تامة واعتقاد راسخ أنني أقوم بالعمل الصحيح.
وكان الملازم أول (عبد المنعم الرشيدي) وكنا نسميه (شيخ الملازمين) حيث كان قد مضى عليه ثلاثة عشر عاماً في رتبة الملازم وكان أقدم ملازم في الجيش كله لا في كتيبتنا ، كان رحمه الله يحبني لأنني كنت أقوم ببعض عمله علاوة على عملي ، فلما سمع بخبر الإستقالة أسرع إلى مكتب القائد وسحبها و جاء إلىّ فوجدني في حالة نفسية سيئة ولكنه حدّثني حديثاً مقنعاً جعلني أرضى عن سحب الإستقالة .
كانت خلاصة نصيحة (الرشيدي) لي هو انني على حق في الإعتقاد بأن الجندية هي المثل الأعلى للكرامة والشهامة والشرف ، وأن الخدمة في الجيش على ما هي عليه كما اكتشفتها هي الخدمة في أفضل مكان في مصر تتوفر فيه هذه المعاني وإنني إذا تركت الجيش وعملت في الخدمة المدنية سوف أعيش بين أناس تتجلّى بينهم الرزيلة والصفات الذميمة بصورة أبشع بكثير مما رأيت في الجيش وأنه علىّ أن أصبر في أنظف مكان و هو الجيش حتى تعلوا بي الرتب فأستطيع أن أصلح الأوضاع.
واقتنعت على مضض واستأنفت عملي كضابط في الجيش (جلالة الملك) ولكن بمفاهيم جديدة حيث اكتشفت وأنا في الشهور الأولى من خدمتي العسكرية أن الإنجليز لا يمثلون أعداءنا الوحيدين .
وإن هناك أعداء لنا من بيننا بدأت مشاعري وأحاسيسي تختزن الكراهية لهم ووضعهم في قائمة الأعداء عند نظر قضية التحرير .
كانت المصيبة أكبر من طاقتي وقوة إحتمالي وأنا في هذه السن المبكرة أضع رجلي على أول درجات الحياة العملية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق