الطريق الرابع


وقبل أن أتحرك بثوان، أسرع (عبد القادر مهنا، ليقول لى فى أذنى: أن اللواء (مكى) فى طريقه الينا وعلى وشك الوصول، واللواء (عبد الرحمن مكى) هو قائد الفرقة المعسكرة فى هايكستب، والتى نحن جميعا تحت قيادته، وهو قائد الفرقة فى جيش (الملك) لا فى التنظيم.

كانت مفاجأة كبيرة وخطيرة، ولما سألته تفسيراً لذلك أجاب بأن القائد اتصل تليفونياً وطلب عربته على وجه السرعة وأن عسكرى التليفون أوصل التعليمات الى السائق مباشرة وانه هو (عبد القادر) لم يعلم بذلك غير الآن وان ذلك كان منذ حوالى نصف ساعة، وكان اللواء يسكن فى مصر الجديدة أى أنه فعلا على وشك الوصول..
تذكرت (ثروت عكاشة) وكثرة تساؤلاته واحتمالاته وتوقعاته فى اجتماع التعرف بمنزل البكباشى (حسين الشافعى) منذ أيام.
لم يكن هناك بد من سرعة التحرك حتى لا نلقى به داخل المعسكر حيث تكون له الكلمة العليا، والأمر النافذ علينا وعلى باقى القوة فقلت لعبد القادر، أننى سأتصرف.. لم يكن أمامى بعد أن فعلت كل ما فعلت، وأصبحت فى حالة تلبس وأركبت الجند بسلاحهم وذخيرتهم وكشفت لهم عن العمل الخطير، لم يكون أمامى غير أن أتحرك وبسرعة.
وفى طريقنا الى بوابة المعسكر، أصدرت تعليماتى الى سائق العربة أنه فى حالة التقائنا بعربة اللواء فى طريقنا فعليه أن يوجه اليها (النور الكبير) ويتصدى لها وايقافها بأى طريقة، وأمرت الضابطين المرافقين لى والسائق معهم أنه فى حالة وقوف عربة سعادة اللواء، ينزلون جميعا من العربة شاهرين أسلحتهم فى وجه القائد ولا يفتح أحد النيران ألا بأوامر منى، وكنت ليلتها أحمل (برتا) بدون خزنه أى بدون ذخيرة، وجدتها فى العربة وعلمت أنها تخص عسكرى يحمل الخزنة معه، غير أنى كنت واثقاً من أن تأثيرها سيكون فعالا فانما الحالة النفسية هنا هى التى تسيطر على كل شئ، والمفروض أن القائد لا يحمل سلاحاً فهو يدير المعركة، ولكننى أثرت حملها عند اللزوم لما لها من أثر نفسى فلن يتصور أحد أنها بدون خزنة.
ولم أكد أفرغ من اعداد هذه الخطة لمواجهة القائد القادم واصدر بها أوامرى حتى كنا قد بلغنا بوابة المعسكر وشاهدنا عربة اللواء فعلا قادمة بأقصى سرعة وسمعت صوته وهو ينادى فى سكون الليل بصوته الجهورى، وقف عندك يا جدع أنت وهو، وقف عندك.
وأمام بوابة المعسكر كانت توجد (صينية لتنظيم المرور الى يمين وشمال فى الدخول والخروج وتم اللقاء وهو على ناحية الصينية البعيدة ونحن على الناحية القريبة من المعسكر، غير أنى أمرت السائق أن يخالف قواعد المرور ويتجه يساراً لمواجهة العربة ونفذ ما أمرته به فعلا وتمكن من ايقاف عربة القائد فى منتصف الصينية من جهة يسار الخروج كما يبين الرسم.
وقفت عربة القائد على قيد أمتار من بوابة المعسكر، ونزل الضباط والسائق وشهروا أسلحتهم حسب الخطة الموضوعة و|أنا معهم، فرآنى القائد وكان يعرفنى جيداً فقال بصوت مسموع فيه مزيج من الخوف والقلق مين؟؟ يوسف؟؟.
واستسلم (القائد) (ولم يكن له غير مطلب واحد هو أن نؤمنه على حياته، فوعدته بذلك مادام يطيع الأوامر، فوعد بذلك، ووضع نفسه تحت أمرنا).
وخطر لى خاطر أن أنزع (بيرق القيادة) من على عربته، غير أنى شغلت عن ذلك باصدار الأوامر الجديدة لاستئناف السير..
أمرت عربة القائد الأسير بأن تتبع عربتى مباشرة ويكون خلفها اللورى الأول الذى يحمل الفصيلة الأولى وتوجه النيران من العربتين الى عربته وأصدرت أوامرى باطلاق النار فوراً على عربته أن هى حاولت الخروج عن خط السير فى محاولة للهرب.
وهكذا بدأنا السير من جديد على الترتيب الآتى:
عربتى الجيب فى المقدمة، وليس عليها ما يدل على أنها عربة القائد، حيث لم تكن رتبتى تسمح بذلك، وتليها عربة القائد الأسير يوفرف عليها علم القائد الذى نسيت أن أخلعه، ثم اللورى الثلاثة المحملة بالضباط والجنود ثم باقى اللورى الفارغة وفى النهاية عربة عبد المجيد شديد وزغلول، واستأنفت سيرى نحو القيادة العامة حسب الخطة العامة وليس معى جديد على الخطة سوى هذا الأسير الكبير (قائد الفرقة).
وفى الطريق دارت فى رأسى تساؤلات كثيرة.. أننى لم أشترك فى وضع الخطة العامة، حيث كانت تقوم بذلك لجنة كنت أعرف أن البكباشى (زكريا محيى الدين) على رأسها.
وكانت السرية تفرض أن لا يعرف كل ضابط غير ما يمكنه من القيام بدوره المرسوم له فى الخطة.. غير أن أعطائى (كلمة السر) كان يعنى أننى سأجتاز قوات الحصار المفروض حربها على كل المناطق العسكرية لعدم السماح لغير (الأحرار) يالرور.
كيف اذن اجتاز (اللواء مكى) قوات الحصار هذه وكيف سمح له بالمرور؟... أنه بلاشك لا يعلم كلمة السر.
وعللت نفسى بأنه ربما يكون قد مر قبل أن تأخه القوات أماكنها، ولكن لماذا حضر؟؟ ان حضوره بعد انتصاف الليل أمر غير مألوف ويدعو الى التساؤل، وكنت كلما قطعت مسافة على الطريق الصحراوى الذى يربط معسكر (هايكستب) ومصر الجديدة دون أن أتعرض لقوات الحصار التى تمنع تسلل ضباط من غير الأحرار، ازداد الامر أمامى غموضاً، غير أن (اللقاء الأول) على (الطريق الرابع)، لقائى مع الواء الأسير كان قد أكسب ضباطى وجنودى من الاثارة والحماس والثقة بنفسهم وبقائدهم ما جعلنى اطمئن على أننى أستطيع أن اعمل بهم ما أشاء رغم قلتهم وضعف تسليحهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق