الله وحده

أذهلنى الخبر الذى سمعته من (حسن أحمد الدسوقى) بتحركى قبل الموعد المرسوم بساعة كاملة، وجعلنى استغرق فى صمت طويل استعيد فيه أحداث تلك الليلة العجيبة.
لقد تحركت قبل الموعد بساعة كاملة ومع ذلك فأننى كنت أدفع الخطر من على الأبواب.. فلقد دفعت خطر دخول قائد الفرقة الى المعسكر حيث كان له وحده الأمر والنهى والتصرف -على قيد امتار من بوابة المعسكر ثم كان لقاء الفصيلة (أ) مع رجال الشرطة العسكرية فى النقطة (ب) كذلك على قيد خطوات من مدخل القايدة العامة- ومعنى وصولهم قبلنا وتعزيز قوة حرس القيادة كان لا شك سيزيد من صعوبة موقفنا ويؤثر فى سرعة احتلالنا (للقيادةالعامة) -والذى لا شك فيه أن الخطة التى كانت قد رسمت فى رأسى لتحرك الفصيلة (أ) باللورى لتجنب الاشتباك مع حرس القيادة كانت ستعطى فرصة لرجال الحرس من تأدية مهمتهم التى كانوا قد أرسلوا لتأديتها- وان تغيير ذلك بالتحرك (بالخطوة السريعة) من يسار الطريق هو الذى هيأ للفصيلة الحيلولة دون ذلك- ولو انه أفسد على الاستمتاع بحنكتى فى وضع الخطط.
وهكذا رأيت أن الله سبحانه وتعالى قد تولى تصحيح تدبير الأحرار وتدبيرى -وكان تدبيره وحده هو الذى يتم وأننا لم نكن سوى أدوات تتحرك لتنفيذ هذا التدبير- تدبير مدبر الأمر العزيز الحكيم.
والأمر كله اذا تدبرناه مليا فاننا لن نختلف على أن كل نجاح صادفناه فى تلك الليلة أنما جاء نتيجة (خطأ) وقعنا فيه فى تدبيرنا ففخروج ساعة قبل الموعد كان (خطأ) لا شك ف ذلك- فان الخطة العسكرية توضه متماسكة متكاملة- فتحرك قوة قبل موعدها بساعة كاملة قد يربك العمل ويعرضه لأخطاء جسيمة مثله فى ذلك مثل الأخير- وربما كان فرق دقائق قليلة مؤثراً فما بالك بساعة كاملة 60 دقيقة؟؟.
وكان الخطأ الثانى وهو نزول الجنود بحماس من اللورى عند نقطة اصدار الأوامر -بما فيهم الفصيلة (أ) التى كنت قد دبرت وصولها باللورى من خلف مبنى القيادة لتجنب الاشتباك مع حرس القيادة -هذا النزول بدون أوامر كان خطأ- لأن كل شئ فى الجندية بالأوامر.
ولما كانت طبيعة الأمر تقول بان (الخطأ) يوصل الى (الفشل) غير أن حوادث الليلة بينت بوضوح ان الخطأ لم يوصلنا الى النجاح فحسب بل أنه كان (الحل الوحيد) الذى بنى عليه النجاح.
وهكذا كان الله وحده هو الذى دبر وقدر فى هذه الليلة التى لا أغالى حين اسميها (ليلة عمرى) وكيف لا تكون ليلة عمرى ليلة قضيتها مع الله وكنت فى طاعته ورضاه؟..
وأفقت من جولتى فى أحداث تلك الليلة على أزيز محركات الدبابات التى كانت تعنى تحرك القوات الأخرى ولم أسمع فى حياتى صوتا أجمل من صوت أزيز المحركات العالية مع ما فيه من نشاز مزعج -وقمت ومعى الأخ (حسن أحمد الدسوقى) لنجلس فى مكتب القيادة.
ولم تمض دقائق حتى جاء حارس من رجال الشرطة العسكرية ليخبرنى بوجود ضابطين على الباب يريدانى وأن أحدهما هو (البكباشى جمال عبد الناصر) وأذنت لهما بالدخول -وكانا فى هذه المرة يرتديان الملابس العسكرية. 
   وهكذا انتهت هذه الليلة المجيدة الخالدة (ليلة عمرى).
يوسف صديق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق