رسالة من السيدة سهير يوسف صديق


الى الاستاذ مصطفى أمين
1991/3/28

الأستاذ الكبير مصطفى أمين
  أبعث اليك بتحية اعزاز وتقدير أشترك فيهما مع الملايين من أبناء شعبنا المصرى الذين يتابعون مقالاتك باهتمام بالغ واعجاب متزايد، ويرون فيها تعبريا مخلصا وصادقا عن آمال شعبنا والآمه. وأعتقد أن هذا الأحساس أصبح من الأشياء القليلة جدا التى يتفق عليها المصريون حاليا على اختلاف آرائهم واتجاهاتهم ، فحتى الذين كانوا يختلفون معك فى الماضى أولهم تحفظات على بعض آرائك واتجاهاتك، أصبحوا الآن يشعرون بأنك تعبر عنهم أيضا فى كل ما تكتبه ويقدرون نغمة الصدق والاخلاص والحب لمصر التى تعبر عنها كتاباتك، ولعل ما مررت به شخصيا من ظروف صعبة وما مرت به مصر كلها من محن وامتحانات يدفعنا جميعا الى التماس الحق والحقيقة وتوخى العدل والنزاهة فيها نقول وفيما نفعل، بحيث تسود النظرة الموضوعية وروح الانصاف فيما بيننا جميعا، وبهذا تستفيد مصر من الدروس والعبر.
إنى أكتب اليك هذه الرسالة فى هذه الأيام بالذات من شهر مارس الذى يرتبط فى أذهاننا جميعا بتلك الأحداث الجسيمة التى وقعت فى شهر مارس سنة 1954، والتى كانت مفترق طرق فى حياة مصر بعد الثورة، وكما تعلم فان مصير الثورة ومصير مصر كلها قد تحدد لسنوات طويلة بعد ذلك بما جرى فى تلك الأحداث.
أنه من السهل الآن أن نتكلم جميعا عن الديمقراطية بعد أن اكتوينا جميعا بنار الدكتاتورية العسكرية والبوليسية التى سادت مصر منذ مارس سنة 1954 والتى مازلنا نجاهد للشفاء منها. ولا شك أن هذا كسب لقضية الديمقراطية، اذ يكفى أن ينحاز لها المزيد والمزيد من المصريين، حتى الذين وقفوا ضدها فى مراحل سابقة، وهو ما نشده كثيرا فى السنوات الأخيرة من مواطنين قاموا الديمقراطية وقاموا دعاتها طويلا من موقع ارتباطهم بالحكم الدكتاتورى، ولا بأس فى ذلك كله، ولكن ينبغى أن نقر بالفضل للأشخاص الذين تمسكوا منذ البداية بالديمقراطية ودفعوا فى سبيلها أغلى ثمن.
ولا شك أنك تذكر موقف والدى المرحوم العقيد يوسف صديق من قضية الديمقراطية منذ بداية الثورة التى شارك فى قيامها بأكثر المواقف ايجابية وفدائية وشجاعة، وهو الموقف الذى تبين واضحا خلال أزمة مارس سنة 1954، حيث نادى صراحة وعلى رؤوس الأشهاد بما كان يناضل من أجله داخل مجلس قيادة الثورة منذ البداية من دعوة الى انتهاج الديمقراطية طريقا للمستقبل فى مصر، وتذكر أنه قد ضحى فى سبيل هذا الموقف بوضعه فى مجلس قيادة الثورة وبوظيفته فى الجيش وحتى بحريته الشخصية وقبل راضيا أن يوضع فى السجن الحربى وأن يوضع معه أبناؤه وأقرباؤه وزوجته مفضلا ذلك على الاشتراك فى الحكم على حساب حرية وكرامة الشعب المصرى.
وتحت يدى صورة من مقال نشر بجريدة المصرى يوم 17 مارس سنة 1954 يتحدث فيها صراحة عن ضرورة تخلى الجيش عن السلطة ونقلها الى الشعب من خلال اجراءات ديمقراطية، ويسرنى أن أرسل اليكم بهذا المقال، واسمح لى بعد أن أكدت اعزازاى وتقديرى لك أن أذكرك بأن مقال والدى هذا لم يكن موضع ترحيب منك فى ذلك الوقت وأنك علقت عليه ضمن مقال لك نشر فى الأخبار بتاريخ 25 مارس سنة 1954 بعنوان (سلاطة) تحت يدى صورة منه أتشرف بأن أرسلها اليك أيضا، وربما كان معارضة أو تشكيك فى موقف المرحوم والدى، ولكنى أتساءل، بعد أن مضت كل هذه السنوات، وبعد أن وقعت كل هذه الاحداث، أليس من الانصاف أن تعود بذاكرتك وبذاكرة قرائك الى هذا الموقف لتعلق عليه من جديد فى ضوء التطورات والتغيرات التى مررت بها والتى مرت بها مصر كلها؟.
إنى اكتب إليك هذا بمناسبة ذكرى أحداث مارس، ومناسبة ذكرى وفاة والدى المرحوم يوسف صديق فى 31 مارس سنة 1975. وأترك لك الأمر فيما تراه انصافا للحقيقة وابراءا للذمة.
وعشت لنا دائما متألقا فى دفاعك عن حرية مصر وكرامتها ومستقبلها.
13 فبراير سنة 1991
السيدة/ سهير يوسف صديق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق