مقدمــة

لئن كانت ثورة 23 يوليو سنة 1952م تعتبر بمثابة الشرارة الأولى التى إندلعت فى حركة (تحرير الشعوب) بعد الحرب العالمية الثانية، فأننى أسجد لله شكراً على أن هيأ لى مع ضعف صحتى وقوتى أن أكون الشرارة الأولى التى أندلعت فى هذه الثورة الخالدة.
وقد بينت أحداث تلك الليلة، أن الدور المتواضع الذى قمت به كان له أثره المؤكد فى ارساء قواعد الثورة وذلك بضرب كل القوات التى حاولت إخماد الثورة (بالعمل المضاد) فى الوقت المناسب.
وأن الله القوى العزيز الواحد القادر القهار،يحب أن يثبت وجوده وقوته لعباده، ويحب أن يريهم أنه القادر على كل شئ فهو لا يقهر الجبابرةدائما إلا بأضعف أسبابه. فحين اختار سبحانه وتعالى (محمدا) عليه الصلاة والسلام ليخرج البشرية من الظلمات الى النور ويسحق عروش الأكاسرة والقياصرة ويدوس تيجانهم تحت أقدام الشعوب المتحررة هيأ لذلك الدور الكبير الخطير رجلا جمع فيه بين اليتم والأمية والفقر وكلها أسباب ضعف، غير أن قوة الحق وحده التى كانت فى دعوة محمد صل الله عليه وسلم هى التى جعلت الاسلام يقوم وينتشر على الأرض فى سرعة النور.
ولم يكن غريباً أن يتغنى المسلمون بنصرهم فيقولون أن الله سبحانه وتعالى قد صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب (وحده).
كذلك كان الأمر فى تلك الليلة الخالدة، دبر الأحرار ما دبروا وأعدوا ما أعدوا، ولكن يشاء الله أن يكون أضعف خلقه فى تلك الليلة هو الذى يقوم بالدور الذى يقضى على كل المقاومات التى تعرضت لها الثورة، فقد كنت فى تلك الليلة ضعيف الصحة حيث كنت أعانى من نزيف فى رئتى اليسرى وكان حفاظى على صحتى يتطلب الراحة التامة وعدم الحركة، بل عدم الكلام، فهكذا كنت أعالج من النزيف فى السنتين السابقتين ثم كانت قوتى أضعف قوة على أرض العمليات حيث كانت عبارة هن مقدمة الكتيبة وهى تعتبر قوة عسكرية ادراية تسبق( القوة الرئيسية) الى مكان انتقالها الجديد لتتسلم المعسكر وتهيئه للاعاشة، وطبيعة عملها تجعل تسليحها خفيفا لأنها ليست قوة مقاتلة.
ومع كل أسباب الضعف التى اوافرت فى تلك الليلة أراد الله أن أكون بكل أسباب ضعفى السهم القاتل الذى صوب الى صدور أعداء الثورة فكان يرديهم تباعاً فى الوقت المناسب.
ولقد كافأنى ربى سبحانة وتعالى فى تلك الليلة بمعجزة فقد كانت حقنة واحدة أخذتها (مضادة للنزيف) كافية لشفائى منه فلم يعاودنى بعد تلك الليلة رغم ما قمت به من جهد جسمانى عنيف وحركة دائبة اقتضتها ظروف العمل. أحس بأننى أسهمت فى تحريره وما أكثر الشعوب التى تحررت كصدى لهذه الثورة المجيدة الخالدة، التى كانت بمثابة الفجر الذى أشرق ينوره ليخرج الناس من الظلمات الى النور.
وما أكثر شكرى لله الذى هيأ لى القيام بهذا الدور فى تلك اليلة التى أسميها عن حق (ليلة عمرى) وصحيح أن الدور كله لم يستغرق أكثر من ساعة من الزمن ولكن رب ساعة أطول من أعمار.
لقد كانت ساعة فى ظل الله ورعايته ورضاه، والله سبحانه وتعالى يصيب برحمته من يشاء والله ولى التوفيق.

والله ولـى التوفيـــــــــــــق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق