تعرض عدد كبير من الكتاب والمؤرخين على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية منذ فترة كبيرة للدور التاريخى الذى قام به والدى ليلة 23 يوليو سنة 1952، حتى أصبح هذا اليوم من كل عام مهرجانا كبيرا يكتب فيه عن البطل "يوسف صديق"، كما كتب عن دوره بعد انضمامه الى مجلس قيادة الثورة من أجل قضية الديمقراطية وهى أحد مبادئ الضباط الأحرار السته التى قامت الثورة من أجل تحقيقها، وعن أنه الوحيد الذى استقال من مجلس قيادة الثورة فى وقت مبكر عندما رأى انحراف هذا المجلس وبعده عن الخطة التى كان الثوار قد رسموها فى منشوراتهم قبل الثورة، حيث كانت صدمته الأولى اعدام العاملين "خميس والبقرى" رغم عدم الموافقة الجماعية للمجلس فقد عارض والدى ذلك مع خالد محيى الدين وجمال عبد الناصر، وعندما كان يذكرهم بما كان يكتب فى منشورات الضباط الأحرار قال بعضهم (أنسى المنشورات.. الظروف تغيرت..) وبدأت تتنافر وجهات النظر مع أعضاء القيادة حول أسلوب الحكم وصدور قوانين تنظيم الأحزاب ثم حلها والغاء الدستور واعادة الرقابة على الصحف واعتقال ضباط المدفعية ودخولهم السجن بملابسهم العسكرية، مما أدى الى تقديم استقالته مضحيا بوضعه فى مجلس قيادة الثورة وبوظيفته فى الجيش، وحتى بحريته الشخصية، وقبل راضيا أن يوضع فى السجن الحربى وأن يوضع معه أبناؤه وأقربائه وزوجته مفضلا ذلك على الاشتراك فى الحكم على حساب حرية وكرامة الشعب المصرى، وقد عبر عن ذلك فى قصيدته (استقبال الصديق) التى كتبها فى السجن الحربى بتاريخ 1955/1/15 عندما أتى الى الحياة حفيدة (يوسف صديق) ابن كاتبه هذه السطور فى 4 يناير سنه 1955 (تاريخ ميلاد والدى 3 يناير 1910) تعبر بعض أبيات هذه القصيدة عن هذا المعنى:
أن الرسالة فى أسمائنا لمعت
فحملتنا ثواب الهدى بالنور
ونحن نعلم أن السجن منزلنا
حتى تدك حصون الافك والزور
ونحن نعلم أن الموت موردنا
نلقاه فى الله فى بشر وتكبير
هذه المقدمة كان لابد منها لكى أدخل الى موضوع الحديث الذى أردت أن أتكلم فيه، وهو الثمن الذى دفعه والدى فى سبيل هذا الموقف من قضية الديمقراطية، وقد دفع فى سبيله أغلى ثمن، وليس وحده الذى دفع هذا الثمن، فقد دفعه جميع المناضلين والوطنيين فى هذا الوقت الذى مرت به مصر بأحداث جسيمة، والتى كانت مفترق طرق فى حياة الشعب، والتى حددت مصير الثورة ومصير مصر كلها لسنوات طويلة بعد ذلك بما جرى فى تلك الأحداث وسأحاول أن أتذكر تفاصيل المواقف التى حدثت لوالدى، وكنت شاهدة عليها ومصاحبة له فيها وهى كلها مواقف عصيبة لم يكتب عنها من قبل، فقد تعرض والدى لكثير من المحن ولاضطهاد والظلم لسنين طويلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق