المرض والوفاة فى 31 مارس سنة 1975
مصر تشيع جنازة يوسف صديق
فى صيف عام 1970 أمر الرئيس جمال عبد الناصر بسفر والدى الى الاتحاد السوفييتى للعلاج وكان يعانى من مرض السكر وارتفاع ولغط فى القلب.
وفى أثناء فترة العلاج وفى يوم 28 سبتمبر سنة 1970 توفى الرئيس جمال عبد الناصر وتولى الرئيس أنور السادات الحكم فى البلاد، فأرسل والدى من موسكو برقية عزاء للرئيس السادات وفى نفس الوقت تأييد له فى الرئاسة كما كتب قصيدة رثاء فى جمال عبد الناصر بعنوان "دمعة على البطل" نشرت فى ذكرى الأربيعين للرئيس جمال عبد الناصر.
وأبتداء من هذا الوقت أخذ المرض الذى عانى منه طيلة حياته يعاوده وظل يقاوم المرض والألم خمس سنوات، وأجريت له عملية استئصال للرئة اليسرى فى لندن لاصابته بسرطان الرئة، حتى سقط يوم 31 مارس سنة 1975 بعد نقله من منزله بالمهندسين الى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى حيث رافقناه أنا وشقيقى حسين ومحمد وزوجته السيدة/ دولت الشافعى وطفلتيها ليلى وسحر وكان والدى فى حالة غيبوبة.
وفى فترة مرضه الأخيرة زاره بمنزله عدد من رفاقه منهم السيد/ حسين الشافعى وكان نائباً لرئيس الجمهورية ومن الضباط الأحرار السادة/ عبد المجيد شديد ووحيد رمضان وأحمد حمروش.
فى هذه الأثناء قمت بزيارة الأستاذ/ عبد الرحمن الشرقاوى فى مكتبة "بروز اليوسف"، وشرحت له ظروف مرض والدى والتى شعرت أنها النهاية وطلبت منه أن يقوم عدد من الكتاب بالتمهيد لهذه النهاية بالصورة التى يستحقها هذا البطل الذى لا يعرفه الكثيرون وحتى يعاد للأذهان سيرة هذا الرجل والتذكير بدوره البطولى فى ليلة 23 يوليو سنة 1952 ونضاله قبل الثورة وبعدها.
وقد قوبل طلبى بالترحاب من كل المخلصين وعلى رأسهم الأستاذ/ أحمد حمروش الذى زار والدى بمنزله وكان على فراش المرض، ولما دخل عليه غرفة نومه "أدى له التحية العسكرية" قائلاً ومبتسماً: "لسه فاكرين العسكرية".
وقد كتب مقاله فى مجلة روز اليوسف العدد 2436 بتاريخ 17 فبراير سنة 1975 بعنوان "صفحة من يوليو على فراش المرض" واستعرض فيها قصة هذا الرجل وبدأها بالتعريف:
الأسم: يوسف صديق
المهنة: بطل
واستعرض فى هذا الموضوع لمحات من حياته ونضاله وأشعاره ومواقفه الشجاعة وجسارته على طول مراحل حياته، وفى عدد "روز اليوسف" 3440 بتاريخ 24 مارس سنة 1975 كتب الأستاذ/ أحمد حمروش مقالة أخرى بعنوان "يوسف المفترى عليه" كما قدمت المجلة نداء بأسم "يوسف البطل" تدعو فيه محبيه بالدعاء للبطل الذى يرقد على فراش المرض وأن يرد عليه صحته: كتبت:
" أن هذا الرجل الذى وضع رأسه على كفه ليلة 23 يوليو، ثم لم يطلب ثمناً، ولا منصباً، ولا ثورة، ولم يسمح لمطمع شخصى بأن يجرفه عن طريق الثورة، هذا الرجل جدير بأن تحيط به، فى محنه مرضه، عواطف كل الذين أحيتهم ثورة يوليو من عدم، وحولتهم من عبيد الى أحرار، ومن رعايا الى مواطنين، وأى الرجال أجدر بالحب والدعوات والأمنيات الطيبة من رجل كل ثروته فى الحياة أنه أدى واجبه؟.
اتصل بى السيد/ عبد المجيد شديد معلناً أن الدولة تعتبر الوالد رجلها وأنها ستقوم بكل الأجراءات اللازمة فى موضوع الوفاة، وطلب منى أن أرسل له صورة للوالد والنعى الذى سيكتب فى الجرنال فشكرته وفعلت ما طلبه منى، وعند اعلان المستشفى بوفاة الوالد، ذهبت أنا وشقيقى المحاسب محمد والنقيب شرطة حسين الى مكتب السيد/ عبد المجيد شديد باللجنة التنفيذية على كورنيش النيل، وهناك وجدت ضباطه فى حالة بكاء شديد (محمد السقا، وحيد رمضان، عبد المجيد شديد) وقابلت السيد/ خالد محيى الدين الذى أخبرنى أن السيد حسين الشافعى بمكتبه وتحت الخدمة، فشكرتهم جميعا أنا واخوتى على شعورهم وسألنا السيد/ عبد المجيد شديد الذى كان يضع صورة والدى أمامه ومعها النعى الذى كتبه زوجى فى سجن أبو زعبل، فسألناه عن الاجراءات التى ستتخذ، فلما أخبرنا أنه قد تم الاتفاق على أن ينشر النعى مع الصورة فى جريدة الأهرام، وسيقام سرادق أمام مسجد عمر مكرم وستقام ثلاثة أيام للعزاء بمنزل الأسرة، فقلت له أن هذه الأجراءات عادية وتحدث لأى شخص وان العائلة تستطيع أن تقوم بها كاملة دون أى عناء، وحددت له مطالبى على النحو التالى:
1- يشيع جثمان والدى فى جنازة عسكرية.
2- ينشر فى جميع الجرائد نبذة عن حياة والدى ليتذكر الناس من هو (يوسف صديق).
3- ينشر النعى فى جميع الجرائد.
4- يصور التليفزيون الجنازة وتذاع فى نشرة الأخبار.
5- يحضر زوجى تشييع الجنازة ويتلقى العزاء مع أفراد الأسرة (كان زوجى فى سجن أبو زعبل تحت التحقيق فى احدى القضايا الشيوعية).
وهذه كانت مطالبى التى عرضتها على السيد/ عبد المجيد شديد فقال لى أنه لا يستطيع أن يلبى هذه الطلبات الا بعد الاستئذان من الرئيس أنور السادات فسألته أين هو قال فى القناطر فطلبت منه أن يبلغه بهذه الطلبات وفعلا قام واتصل أمامى بمكتب الرئيس وبعد فترة عاد قائلاً بالنص "أمر الرئيس بأن تجاب كل طلبات أبناء يوسف صديق فوراً" وكان هذا موقفاً كريماً من الرئيس السادات، وفعلا فى صباح 1975/4/1 شيعت جنازة الوالد عسكريا وقد حمل الجثمان على عربة مدفع تجرها الخيول ولف النعش بعلم الثورة، حيث سارت الجنازة من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير الى جامع شركس، واشتركت فى تشييع الجنازة وحدات رمزية من طلبة الكليات والمعاهد العسكرية وموسيقى القوات المسلحة وحاملوا أكاليل الزهور من جنود القوات المسلحة، كما اشترك فى تشييع الجنازة نائباً عن الرئيس أنور السادات الفريق محمد سعيد الماحى، والسيد حسين الشافعى نائب رئيس الجمهورية، والرئيس محمد نجيب ومن أعضاء مجلس الثورة، كمال الدين حسين وحسن ابراهيم وعبد المنعم أمين وعبد اللطيف البغدادى وخالد محيى الدين والسادة رؤساء مجلسى الشعب والوزراء وعدد من الوزراء والضباط الأحرار، كما حضر الجنازة "زوجى الأستاذ محمود توفيق" من محبسه برفقة رجال الشرطة حيث تلقى العزاء مع أفراد الأسرة، حضر تشييع الجنازة الآلاف من أبناء الشعب الذين اصطفوا على جانبى طريق الجنازة وفى ميدان التحرير وميدان طلعت حرب وحتى جامع شركس حيث تم نقل الجثمان الى مدافن الأسرة بالبساتين حيث أطلقت المدفعية 21 طلقة تحية للبطل وعزف البروجى "نوبة رجوع" وهو لحن جنائزى.
- وكان للكلمات والمقالات التى كتبت بعد وفاة والدى والسيل المتدفق من كلمات الرثاء من الرفاق والمخلصين والتى نشرت فى الصحف والمجلات، العزاء لأسرتنا مما ألهمنا بعض الصبر والسلوان فى مصابنا الأليم وأن الفارس المقدام والثائر الحر لم يمت وأنه لم يزل وسيظل حياً فى قلوب الناس.
ومن المقالات الرائعة الكثيرة التى كتبت بعد وفاة والدى:
- من ليلة الثورة الى ليلة الرحيل، بقلم خالد محيى الدين "روز اليوسف".
- حب المقاتل لوطنه، بقلم فتحى خليل، "روز اليوسف".
- رحلة يوسف صديق، "روز اليوسف".
- أخيراً هدأ السائر "يوسف صديق"، جريدة الجمهورية، عبد المنعم الصاوى.
- مصر تحتضن أولادها، بقلم أحمد زكى عبد الحليم، "حواء".
- شخصية هذا الرجل بقلم أحمد حمروش، "الجمهورية".
- عبد الناصر وخالد ويوسف صديق يروون أحداث ليلة 23 يوليو، بقلم: ابراهيم طلعت الوفدى، "روز اليوسف".
- يا من تحبون الثورة، اذكروا يوسف صديق، بقلم غالى شكرى.
- مذكرات لم تنشر ليوسف صديق بقلم يوسف صبرى، "روز اليوسف".
- هذا الرجل من مصر، بقلم لمعى المطيعى.
- فكرة مصطفى أمين، "الأخبار".
- يوسف صديق بطلا ديمقراطياً، سعد كامل، "الأخبار".
- موسوعة التاريخ الاسلامى والخضارة الاسلامية، الدكتور أحمد شلبى.
- "أخر كلمات محمد نجيب".
- وداعاً أيها الرفيق، بقلم ابراهيم عبد الحليم، "دراسات اشتراكية".
- يوسف صديق فارساً مصرياً أصيلاً، "الطليعة".
والأبيات التالية فى رثاء والدى كتبها الشاعر كمال عبد الحليم وقد قمت أنا وشقيقتى نعمت بكتابتها على رخامة فى مدفن الوالد.
ها هنا يرقد من أنقظنــــــا
وافتـدى مصر بصدر ينزف
ها هنا فارسنا شاعرنــــــــا
رافع الرايــــات حمرا يوسف
فالى يـــــوم حساب صادق
سيظل الشعب عينا تذرف.