يوسف صديق..بطلا ديمقراطيا


بقلم: سعد كامل
جريدة الأخبار 1982/4/4

فى 31 مارس الماضى يكون قد انقضى على وفاة العقيد (القائمقام) يوسف منصور صديق سبع سنوات.
ولكن من هو يوسف صديق؟
لقد اعتدنا نحن أبناء الجيل السابق أن نتصور أن الأحياء والأحداث التى عشنا معها معروفة لدى الجيل الجديد كما نعرفها نحن! مع أن الذين يبلغون من العمر أربعين عاما الآن لا يعرفون الا القليل مما حدث فى الستينات، فما بالنا ويوسف صديق كان كالشهاب الذى أضاء مصر ليلة 23 يوليو سنة 1952 ثم اختفى سريعا ولم تسلط عليه الأضواء بعد.
يوسف صديق هو أحد أبطال ثورة 23 يوليو، بل هو بطل ليلة 23 يوليو بالذات.
يقول فى مذكراته:
.. ..وقد استطعت بهذه القوة الصغيرة التى لم تتجاوز الستين جنديا أن أقوم بدور فى ثورة 23 يوليو. باختصار تحركت على رأس هذه القوة فى منتصف ليل 23 يوليو فقابلت فى طريقى من معسكر هاكستب قائد فرقة المشاة العسكرية فاعتقلته وأخذته أسميرا ثم قابلت القائد الثانى المساعد فى الطريق فاعتقلته.. ..
وقد صادفت البكباشى جمال عبد الناصر والصاغ عبد الناصر عبد الحكيم عامر حيث علمت منهما أن أمر. الضباط الأحرار قد كشف، وان رئيسأركان حرب الجيش بعقد اجتماعا فى رئاسة الجيش لاصدار أوامر المقاومة. وهاجمت القيادة وقبضت على رئيس أركان الحرب قبل الاجتماع وعلى معظم القواد الذين كانوا فى طريقهم كذلك قبضت على القوات التى أرسلت لتعزيز الحراسة على رئاسة الجيش فقبضت بذلك على المقاومة، وأصبح للضباط الأحرار الأمر فى البلاد.
ان دور الفرد فى التاريخ له حدوده، ولا يمكن لشخصيات مهما كان دورها أن تلوى عنق التاريخ، كان يمكن ليوسف صديق بعد أن سمع من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر أن الأمر قد كشف أن ينكص على عقبيه، ولكن يوسف صديق بحسه السياسى الصادق وبشجاعته أدرك أن النظام فى مصر كان كالثمرة الناضجة لا يحتاج الا الى هزة ليسقط فورا، ولهذا مضى قدما ليسقط ذلك الثالوث الهش، الذى كان يحكم مصر، من ملك واقطاع واحتلال بريطانى.. .. وأدرك يوسف صديق أيضا -وهذا هو الأهم- أن الذى يقدم عليه هو تتويج لنضال طويل وعنيف للشعب المصرى بكل قواته الوطنية من عمال وفلاحين، وطلبة، وجنود، وان الجيش اذا كان يقوم بالضربة الأولى فلانه كان أحد فصائل الحركة الوطنية الأكثر تنظيما ويملك من السلاح ما يمكنه ان يقمع أى حركة مضادة للثورة.

الديمقراطيــــــة
كان يوسف بوعيه وثقافته يعرف موضع الجيش من الحركة الثورية الشعبية فى بلده، وكان يدرك أن الجيش ليس الا فصيلا من فصائل هذه الحركة، ولهذا نادى بأن يعود الجيش الى ثكناته وان يسلم الأمر للشعب ولهذا عندما اشتعل الخلاف فى مجلس قيادة الثورة حول أسلوب الحكم كان يوسف واضحا فى الخطاب الذى أرسله الى رئيس الجمهورية (محمد نجيب) يطالبه فيه اما بدعوة الربلمان المنحل ليتولى حقوقه الشرعية وأما بالدعوة الى وزارة ائتلافية تمثل القيادات السياسية القائمة وقتها: وهى الوفد، والأخوان، والاشتراكيون، والشيوعيون.
فات على يوسف ان الأحزاب التى كانت قائمة كانت غير مؤهلة لاستخدام الحكم، فالوفد أكبر حزب شعبى، كان مترهلا بسبب تركيبة الطبقى فقد كانت فيه نسبة من الاقطاعيين تمنعه من سيوله الحركة والسيطرة على الشارع، أما بقية التنظيمات السياسية الوطنية فكانت أضعف من أن تمسك بزمام الأمور.
كانت هذه السنوات هى السنوات التى يجب أن ترسى الأساس السياسى لليبرالية ولكنها صارت بدلا من ذلك سنوات القمع والتآمر وأرست الأساس للعداء الحزبى.. ولما كان قادة الليبرالية قد عجزوا أن يظلوا أمناء لمبادئهم الذاتية فلقد أدرك الآخرون أن العيب لا يكمن فى الناس بل فى المبادئ التى ساندوها.

الثورى لا السياسى
 ولهذا انتصر دعاة الدكتاتورية فى مجلس قيادة الثورة والغى الدستور وكذلك الأحزاب بعد معركة قصيرة وكان يوسف صديق قد استقال من مجلس قيادة الثورة ومن الجيش احتجاجا على الحكم غير الديمقراطى.. ونفى الى سويسرا فلما عاد حددت اقامته فى قريته زاوية المصلوب بمحافظة بنى سويف.

هل كان يوسف صديق على حق عندما طرح شعار الديمقراطية فى ذلك الوقت وطالب بحكومة الجبهة الوطنية لمواجهة المشكلات الجادة التى تعانى منها مصر؟

كان يوسف على صواب باعتباره مفكرا وثوريا مثاليا ولكنه لم يكن سياسيا يتعامل مع واقع الحياة السياسية، وتوازنات القوى فى ذلك الوقت ومع ذلك فقد كان يوسف بشيرا وداعية للديمقراطية والجبهة الوطنية.

وها نحن الآن.. بعد مرور سبع سنوات على وفاته نجد أن أفكاره عن الديموقراطية قد أثمرت وأصبحت مطلبا شعبيا.

تحية الى يوسف صديق.. بطلا وثائرا وديمقراطيا.

الفصل السابع: تمثال يوسف صديق الغائب

أوراق هذا الفصل تتضمن صحيفة الدعوى التى أقامها.. السيد/ حسين يوسف صديق ضد وزارة الدفاع لاقامة تمثال للمرحوم يوسف صديق ضمن تماثيل أعضاء مجلس قيادة الثورة بالمتحف الحربى. كما تبين الأوراق موقف الصحافة والرأى العام من هذا الموضوع


أوراق الفصل السابع تتضمن



دعوة قضائية حول تمثال ليوسف بالمتحف الحربى

                                                          محمود توفيق
المحامى بالنقض
14 ش ضريح سعد زغلول


بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الأستاذ المستشار/ رئيس محكمة القضاء الادارى 
 تحية طيبة واحتراما , وبعد,
مقدمة لسيادتكم اللواء شرطة/ حسين يوسف منصور صديق مدير مباحث الأحداث بوزارة الداخيلية والمقيم برقم 13 شارع محمود أحمد المليجى - قسم النزهة بمصر الجديدة ومجلة المختار مكتب الأستاذ محمود توفيق المحامى بالنقض والادارية العليا برقم 14 شارع ضريح سعد زغلول قسم السيدة زينب بالقاهرة.
ضــــــد
1- السيد المشير وزير الدفاع والانتاج الحربى بصفته
2- السيد الأستاذ وزير الثقافة بصفته

الموضـوع
الطالب هو نجل المرحوم العقيد يوسف منصور صديق، أحد الضباط الأحرار والذى اضطلع بالدور الأساسى فى حركة الثورة ليلة 23 يوليو سنة 1952 ولولا بطولته وفدائيته فى تلك الليلة لما أحرزت النصر ولما قامت لها قائمة، وبسبب ذلك وقع عليه الاختيار عضوا بمجلس قيادة الثورة أثر نجاحها حيث واصل نضاله المخلص دفاعا عن حرية الشعب وذودا عن حقه فى حياة ديموقراطية سلمية، باعتبار ذلك أحد المبادئ الأساسية التى قامت من أجلها الثورة، ومن أجل ذلك وقع الخلاف بينه وبين غالبية أعضاء مجلس الثورة الذين كانت لهم اتجاهات مغايرة فى هذا الشأن، وقد ظل هذا الخلاف قائما الى أن رجحت كفة الاتجاه الى أقامة حكم دكتاتورى عسكرى.
كان ذلك واضحا فى قرارات يناير 1953 التى بموجبها الغى دستور سنة 1923، وألغيت الأحزاب، وأعلنت فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات يتولى فيها مجلس قيادة الثورة سلطة الحكم.
وعلى أثر ذلك، وفى ذات التاريخ 16 يناير سنة 1953 تقدم باستقالته من مجلس قيادة الثورة مؤثرا أن ينأى بنفسه عن مسئولية المشاركة فى السلطة مضحيا بكل ما وراء تلك المشاركة من جاه وفوائد، متقبلا كل ما يجره مثل هذا الموقف من عواقب بالنسبة له ولكل من ينتمون اليه من الأهل والزملاء، وقد دفع ودفعوا ثمنا باهظا لذلك من سجن وتشريد على مدى سنوات طويلة، بل لقد استمرت تلك المعاناة فى الواقع الى أن انتقل الى جوار ربه فى اخر مارس سنة 1975.
ورغم أن عضوية المرحوم العقيد يوسف منصور صديق لتنظيم الضباط الأحرار، وعضويته بعد ذلك بمجلس قيادة الثورة فى الفترة من 23 يوليه 1952 الى 16 يناير 1953 هى من الأمور الثابته التى يعرفها كل معاصرى الثورة وكل من كتب أو قرأ عنها منذ قيامها حتى الآن، فقد لاحظ المدعى عند زيارته مؤخرا للمتحف الحربى الذى أقامته وزارة الدفاع - التى يمثلها السيد المدعى عليه الأول - بمبنى القلعة، أن القاعة المخصصة لثورة يوليو بالمتحف، والتى احتوت على تماثيل لأعضاء مجلس قيادة الثورة، لم تشمل على تمثال المرحوم والده، بل ان قائمة أسماء الضباط الأحرار المعروضه بتلك القاعة، قد خلت كذلك من اسم العقيد يوسف منصور صديق، وقد لاحظ ذلك أيضا الكثيرون من زوار هذا المتحف، ممن لهم معرفة بتاريخ الثورة، كما أبدى العديدون من كتاب الصحف ملاحظتهم له ودهشتهم منه، على ما جاء فيما نشروه من تعليقات حول هذا الموضوع.
وقد انتظر المدعى كما انتظرت الأسرة ان تتدارك وزارة الدفاع هذا الخطأ التاريخى فتبادر الى تصحيحة احقاقا للحق وأنصافا لذكرى الرجل الذى لولاه لما نجحت الثورة التى يعتبر العهد الراهن امتدادا لها، دون جدوى، مما أضطر المدعى معه الى اللجوء للطريق القانونى المتاح، فوجه تظلما الى السيدين المدعى عليهما أرسل اليهما بتاريخ 1995/6/25، غير أن ميعاد الستين يوما المقررة قانونا للرد على التظلم قد انقضت دون ان يتلقى الطالب أى رد.
ولما كان ذلك، وكان امتناع السيد المدعى عليه الأول عن اتخاذ الاجراء اللازم لتصحيح هذا الخطأ، يعتبر قرارا سلبيا من جانبه يتيح للطالب حق الطعن عليه قضائيا.
ولما كان هذا القرار السلبى يلحق ضررا معنويا بالغا بالمدعى وبكل أفراد أسرته اذ أنه يتضمن انكارا وجحودا للدور التاريخى الذى أضطلع به والدهم فى خدمة وطنه وشعبه، واساءة الى ذكراه بالانتقاض من فضله، الأمر الذى تقوم به للمدعى الصفة والمصلحة القانونية فى اللجوء الى القضاء العادل بالطعن فى هذا واذا كان أنكار دور المرحوم يوسف صديق واغفال فضله أمرا مفهوما - وان لم يكن مبررا - طيلة حياته، يفسره، فيما يفسره، ضراوة أساليب الصراع السياسى ومقتضايه من وجهة نظر بعض الناس، فان استمرار هذا الانكار والاغفال بعد وفاته بعشرين عامل هو أمر غير مفهوم بل ان فيه اهدارا للأمانة التاريخية، وانحرافا عن المبادئ الوطنية والأخلاقية القويمة، وهو ما نريأ بالسيدين المدعى عليهما، وبغيرهما من المسئولين عنه.
ولما كان ذلك، وكان كل يوم يمر دون مبادرة من السيد المدعى عليه الأول الى تصحيح هذا الوضع يضيف المزيد من الاساءة والضرر بالمدعى وأفراد أسرته.
ولما كان اختصام السيد المدعى عليه الثانى بصفته، هو لكون وزارة الثقافة التى يتولاها كان لها دورها فى الجانب الفنى من اقامة هذا المتحف، ومن ثم فان لها صفة واختصاصا فى هذا النزاع.
لذلك فان المدعى يقيم هذه الدعوى ابتغاء الحكم له فيها بالطلبات الواردة فى نهاية هذه الصحيفة.

وعن الشق المستعجل فى الدعوى:
 وذا يثبت من العرض المتقدم أن القرار السلبى الصادر من السيد المدعى عليه الأول - موضوع هذه الدعوى - يلحق ضررا معنويا ونفسيا بالغا بالمدعى وباقى أفراد أسرته ويصيبهم بأذى عاطفى متجدد يتعذر تداركه فيما لو استمر السيد المدعى عليه الأول على قراره السلبى.
لذلك فانه يحق للمدعى والحال هذه ان يتقدم الى عدالة المحكمة بطلب مستعجل ووقتى، هو الحكم بوقف تنفيذ القرار السلبى المطعون فيه، مؤقتا، لحين الفصل فى الشق الموضوعى من هذه الدعوى.

لذلــك
يلتمس المدعى بع اتخاذ الاجراءات القانونية المنصوص عليها فى القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن تنظيم مجلس الدولة، تحديد أقرب جلسة لنظر الدعوى تمهيدا لصدور الحكم فيها على السيد المدعى عليه الأول، فى مواجهة الثانى، بالآتى:

أولا: بصفة مستعجلة ووقتية، ولحين الفصل فى الشق الموضوعى من الدعوى، بوقف تنفيذ القرار السلبى الصادر من السيد المدعى عليه الأول بعدم اقامة تمثال للمرحوم العقيد يوسف منصور صديق ضمن تماثيل أعضاء مجلس قيادة الثورة فى القاعة المخصصة لذلك بالمتحف الحربى.

ثانيا: وفى الموضوع
1- بالزام المدعى عليه الأول فى مواجهة السيد المدعى عليه الثانى، باقامة تمثال للمرحوم العقيد يوسف منصور صديق ضمن تماثيل السادة أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو بالقاعة المخصصة لذلك بالمتحف الحربى، بنفس الحجم والمواصفات المماثلة لتلك التماثيل.
2- بالزام المدعى عليه الأول، بان يدفع مبلغا وقدره ألف جنية يوميا يدفع للمدعى عن كل يوم ينقضى منذ تاريخ اقامة هذه الدعوى الى يوم اقامة التمثال موضوع الدعوى كغرامة متجددة وكتعويض متجدد عما يلحق به من ضرر متجدد من جراء امتناع أو تراخى السيد المدعى عليه الأول عن اقامة التمثال.
3- بالزام السيد المدعى عليه الأول المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة.
4- بشمول الحكم الصادر فى هذه الدعوى بالنفاذ المعجل وبلا كفالة...
الدعوى رقم 10028 لسنة 49 ق ادارى
فى 1995/9/17
وكيل المدعى 
محمود توفيق
المحامى بالنقض