هو الرجل الذى أنقذ الثورة من الفشل وصفه الأستاذ محمد حسنين هيكل ب "العملاق الأسمر ذى العينين الحمرواين" وقال عنه لطفى واكد "إنه بطل مصر الأسطورى" وكتب عنه أحمد حمروش يقول "الأسم يوسف صديق المهنة بطل".
أما هو فقد كتبت فى مذكراته عن ثورة يوليو: "لئن كانت ثورة 23 يوليو 1952م تعتبر بمثابة الشرارة الأولى التى اندلعت فى حركة تحرير الشعوب، بعد الحرب العالمية الثانية، فإننى أسجد لله شكرا على أن هيأ لى من ضعف صحتى وقوتى أن أكون الشرارة الأولى التى اندلعت فى هذه الثورة الخالدة.
لو أردنا تلخيص سيرته لقلنا: ضابط أصيل فى جنديته، شاعر عن سلالة شعراء، عرف الحياة مغامرة كلها، وما كان يمكن لمجازفة كبرى مثل ثورة يوليو أن تنجح إلا على يد فارس مثله، فى شجاعته وفدائيته وإنكاره لذاته، لم يطلب نظير ما قدم جزاء ولا شكورا، لم يطلب الأجر ولا هو حصل عليه، بل تواصلت معاناته بعد شهر عسل قصير مع زلمائه فى مجلس القيادة.
أنه يوسف صديق أحد الضباط الأحرار والذى ولد فى قرية زاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطى محافظة بنى سويف فى 3 يناير 1910، والده وجده عملا ضابطين بالجيش المصرى، أتم دراسته الأولية بمدرسة الواسطى الابتدائية ثم مدرسة بنى سويف الثانوية.
التحق بالكلية الحربية، وتخرج منها عام 1933، تخصص بعد ذلك فى التاريخ العسكرى وحصل على شهادة أركان الحرب عام 1945، وبمجرد أن تخرج يوسف فى منتصف الثلاثينات، التحق بإحدى الكتائب بالسلوم وأخذ يمارس نشاطه السياسى فى بعض الأحزاب، خاصة اليسار المصرى، قرأ كثيرا فى الاقتصاد والتاريخ، وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية فى أواخر الثلاثينيات شارك فى القتال الدائر بالصحراء الغربية، كما شرك فى حرب فلسطين 1948، وقاد كتيبته بجرأة نادرة واستطاع أن يحتل نقطة مراقبة على خط الدفاع بين المجدل وأسدود، وكان الضباط يطلقون على المنطقة التى دخلها شريط يوسف صديق.
بدأت قصة يوسف مع الثورة قبل ليلة 23 يوليو فى أحد أيام أكتوبر سنة 1951 حينما زاره الضابط وحيد رمضان الذى عرض عليه الانضمام للضباط الأحرار وأطلعه على برامجهم والتى كانت تدعو للتخلص من الفساد وارساء حياة ديمقراطية سليمة فوافق وأسندت اليه من قبل تنظيم الثورة وقيادة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة، وقبل الموعد المحدد بقليل تحرك البكباشى يوسف صديق مع مقدمة كتيبة مدافع الماكينة من العريش إلى مقر الكتيبة الجديد فى معسكر هايكستب قرب مدينة العبور، ومعه معاونه عبد المجيد شديد، ويروى أحمد حمروش فى كتابة قصة ثورة يوليو (انقلاب العسكر)، فيقول: "إجتمعت اللجنة القيادية للثورة وقررت أن تكون ليلة 22 ، 23 يوليو 1952 هى ليلة التحرك واعطيت الخطة اسما كوديا (نصر) وتحددت ساعة الصفر فى الثانية عشر مساء إلا أن جمال عبد الناصر عاد وعدل هذا الموعد إلى الواحدة صباحا وابلغ جميع ضباط الحركة عدا يوسف صديق لكون معسكره فى الهايكستب بعيد جدا عن مدى تحركه ذلك اليوم فأثر انتظاره بالطريق العام ليقوم برده الى الثكنات وكان لهذا الخطأ البسيط أعظم الأثر فى نجاح الثورة فقد تم ابلاغ يوسف صديق بواسطة رسول قيادة الحركة الضابط زغلول عبد الرحمن، ووفقا لذلك فقد تم ابلاغ يوسف صديق أن ساعة الصفر هى 2400 أى منتصف الليل وليست الواحدة صباحا وهو الموعد الذى تم التعديل له (دون إمكانية تبليغ يوسف بالتعديل)، وكان يوسف قائدا ثانيا للكتيبة ولم يخف الموقف على ضباطه وجنوده، وخطب فيهم قبل التحرك وقال لهم أنهم مقدمون هذه الليلة على عمل من أجل الأعمال فى التاريخ المصرى وسيظلون يفتخرون بما سيقومون به تلك الليلة هم أبناؤهم واحفادهم واحفاد احفادهم.
تحركت القوة من معسكر الهايكستب دون أن تدرى ما يدبر فى مركز القيادة، وكان يوسف صديق راكبا عربة جيب فى مقدمة طابور عربات الكتيبة الملئ بالجنود وما أن خرجت القوة من المعسكر حتى فوجئت باللواء عبد الرحمن مكى قائد الفرقة يقترب من المعسكر فاعتقلته القوة بأوامر من يوسف صديق وتم اقتياده بصحبة طابور القوة بسيارته التى يرفرف عليها علم القيادة محصورا بين عربة الجيب التى يركبها بها يوسف فى المقدمة والطابور، وعند إقتراب القوة من مصر الجديدة صادفت أيضا الأمر الأى عبد الرؤوف عابدين قائد ثانى الفرقة الذى كان يسرع بدوره للسيطرة على معسكر هايكستب، فأمر يوسف صديق أيضا باعتقاله وأركبه إلى جانب اللواء المعتقل وسار مع القوة والمدافع موجهة عليهما من العربات الأخرى، ولم تقف الاعتقالات عند هذا الحد، فقد فوجئ يوسف ببعض جنوده يلتفون حول رجلين تبين أنهما جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وكانا حسبما روى يوسف فى ملابس مدنية، ولما إستفسر يوسف عن سر وجودهما حدث جدال بين جمال عبد الناصر ويوسف صديق حيث رأى جمال خطورة تحرك يوسف قبل الموعد المحدد ضمن الخطة الموضوعه سابقا للثورة على أمن ضباط الحركة الأحرار وعلى غمكانية نجاح الثورة، ورأى رجوعه إلى الثكنات لكن يوسف صرح له أنه لم يعد يستطيع العودة مرة ثانية دون إتمام العمل (الثورة) وإن الثورة قد بدأت بالفعل حينما قامت قوة.
يوسف بالقبض على قائده اللواء عبد الرحمن مكى ثم الأميرالاى عبد الرؤوف عابدين (قائده الثانى) وقرر أنه مستمر فى طريقه الى مبنى قيادة الجيش لاحتلاله، ولم يكن أحد يعلم على وجه اليقين مايتم فى رئاسة الجيش (حيث كان خبر الثورة قد تسرب الى الملك الذى ابلغ الأمر للقيادة لإتخاذ إجراء مضاد على وجه السرعة وكانت قيادة الجيش، التابع للملك، مجتمعة فى ساعته وتاريخه تمهيدا لسحق الثورة أو الانقلاب بقيادة الفريق حسين فريد قائد الجيش قبل الثورة) ( وقد حسم يوسف صديق الجدل بينه وبين جمال حينما أصر على مواصلة طريقة لاحتلال القيادة وأغلب الظن إتفق الرجلين على ذلك، لأن جمال عبد الناصر الذى استمر يراقب التحركات عن كثب وجه بعد ذلك بقليل بإرسال تعزيزات من أول الأجنحة التابعة لللثورة التى تحركت فى الموعد الأصلى اللاحق لمساندة يوسف بعد أن قام يوسف صديق مع جنوده باقتحام مبنى القيادة العامة للجيش والسيطرة عليه بالفعل).
بعد هذا اللقاء وفى الطريق أعد يوسف خطة بسيطة تقضى بمهاجمة مبنى قيادة الجيش، ووصل الى المبنى وقام هو وجنوده باقتحام مبنى القيادة بعد معركة قصيرة مع الحرس سقط خلالها اثنان من جنود الثورة واثنان من قوات الحرس، ثم استسلم بقية الحرس فدخل يوسف مع جنوده مبنى القيادة وفتشوا الدور الأرضى وكان خاليا، وعندما أراد الصعود الى الطابق الأعلى إعترض طريقهم شاويش حذره يوسف لكنه أصر على موقفه فأطلق عليه طلقة أصابته فى قدمه، وعندما حاول فتح غرفة القادة وجد خلف بابها مقاومة فأطلق جنوده الرصاص على الباب ثم إقتحموا الغرفة، وهناك كان يقف الفريق حسين فريد قائد الجيش، والأميرالاى حمدى هيبة وضباط اخرون أحدهم برتبة عقيد وأخر غير معروف رافعين منديلا أبيضا، فتم القبض عليهم حيث سلمهم لليوزباشى عبد المجيد شديد ليذهب بهم الى معسكر الاعتقال المعد حسب الخطة فى مبنى الكلية الحربية، وذلك يعتبر يوسف صديق هو بطل الثورة الحقيقى الذى أنقذ يوليو من الإنتكاسة فى اللحظة الأخيرة وهو الذى نفذ خطة الأستيلاء على قيادة الجيش ومن ثم السلطة بأسرها فى مصر فى ذلك التاريخ (الساعة الثانية عشرة مساء 22 / 23 يوليو 1952).
وفى فجر 25 يوليو تحرك عد من قادة الثورة ومنهم يوسف صديق وحسين الشافعى وعبد المنعم أمين هليكوبتر مع أنور السادات وجمال سالم ومحمد نجيب وزكريا محيى الدين، وفى أغسطس 1952 دخل يوسف الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار مع محمد نجيب وزكريا محيى الدين.
عقب نجاح حركة الضباط الأحرار دعا يوسف صديق الى عودة الحياة النيابية، وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديمقراطية داخل مجلس قيادة الثورة، ويقول يوسف عن تلك الخلافات فى مذكراته: "كان طبيعيا أن أكون عضوا فى مجلس قيادة الثورة، وبقيت كذلك حتى أعلنت الثورة أنها ستجرى الانتخابات فى فبراير 1953، غير أن مجلس الثورة بدأ بعد ذلك يتجاهل هذه الأهداف، فحاولت أكثر من مرة أن أترك المجلس وأعود للجيش فلم يسمح لى بذلك، حتى ثار فريق من الضباط الأحرار على مجلس قيادة الثورة يتزعمه اليوزباشى محسن عبد الخالق وقام المجلس باعتقال هؤلاء الثائرين ومحاكمتهم، فاتصلت بالبكباشى جمال عبد الناصر وأخبرته أننى لا يمكن أن أبقى عضواً فى مجلس الثورة وطلبت منه أن يعتبرنى مستقيلا، فاستدعانى للقاهرة، ونصحنى بالسفر للعلاج فى سويسرا فى مارس 1953، وعندما وقعت أزمة فبراير ومارس عام 1954، طالب يوسف صديق فى مقالاته ورسائله لمحمد نجيب بضرورة دعوة البرلمان المنحل ليمارس حقوقه الشرعية، وتأليف وزارة ائتلافية من قبل التيارات السياسية المختلفة من الوفد والإخوان المسلمين والاشتراكيين والشيوعيين، وعلى أثر ذلك اعتقل هو وأسرته، وأودع فى السجن الحربى فى ابريل 1954، ثم أفرج عنه فى مايو 1955 وحددت إقامته بقريته بقية عمره الى أن توفى فى 31 مارس 1975.
أحمد عبد الستار
شباب التحرير
7 ابريل 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق