فى شقتها بأحد الأحياء الهادئة بالدقى، تجلس "سوسو" كما كان يدعوها والدها يوسف صديق، غارقة فى خيالات بعيدة لمدة أربع ساعات يوميا، وكلها تدور هناك فى العالم الآخر.
سهير نجله الضابط الحر تتخيل "بابا" يجلس مع شهداء ثورة يناير فى الجنة، "يحكى لهم الفارق بين ثورته وثورتهم، يتحدث معهم فى الشعر والأدب والسياسة والتاريخ ويركز على تاريخ الفراعنة الذى عشقه".
يوسف صديق يصفه المؤرخون بالبطل الخفى لثورة 52، بدأ حياته السايسية بالوفد، ونقلته نزعته الدينية إلى الإخوان، ثم اتصل بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى "حدتو" وأخيرا انضم إلى الضباط الأحرار عام 1951.
"بابا كان يعتبر نفسه الأقل وطنية وسط الضباط الأحرار، وحتى دوره كان صغيرا، مجرد قوة مساعدة لحماية مركز القيادة العسكرية بعد احتلاله، يوم 22 يوليو، عرف بابا أن موعد لثورة هو منتصف ليلة 23 يوليو وكلمة السر "نصر".
خرج مسرعا وسألته والدتى مازحة: إنت رايح فين، هتفتح عكا؟
ابتسم العملاق الأسمر الذى يعانى وقتها نزيفا فى رئتيه ورد بثقة: آه هافتحها، دا اليوم اللى مستنيه طول عمرى.
"سوسو" إبنته الكبرى، رفيقه الدرب والصديقة، ولدت عام 36، وتحكى ليلة الثورة كما حكاها والدها "جناب البكباشى".
"تحرك والدى من معسكرات الهاكستب فى منتصف الليل، بعد أن قبض على قائدى المعسكر، وسار الموكب بست حاملات جنود، فى اتجاه مركز القيادة، كان الهدوء شديدا، ولم يحتل سلاح الفرسان المبنى حسب الاتفاق.
لم يكن والدى يعرف أن الملك كشف خطة تحرك الضباط وأسمائهم، ولم تصل له تعليمات عبد الناصر بتأجيل التحرك للواحدة صباحا".
تشرح سهير أن عبد الناصر قرر أن تأجيل ساعة واحدة لا يكفى لتنظيم الأمور، ولكن يوسف صديق اعترض: أنا قابض على اتنثين من قوات الملك، ومرتكب الخيانة العظمى، خذ أنت الأسرى دول عندك، وأنا سوف أهاجم مبنى القيادة".
وقاد صديق القوات الصغيرة، معتمدا على عنصر المفاجأة ودخل مبنى القيادة، وتم تبادل بعض طلقات النار، بعدها جاء سلاح الفرسان الضباط الأحرار لتدعيم قوة والدى، واقتحموا مقر القيادة.
بعد نجاح الثورة بدأ الصراع المبكر بين يوسف صديق مع مجلس الثورة، فاعترض على استمرار الجيش فى الحكم، وتم نفيه لسويسرا، وعاد إلى مصر هاربا عن طريق لبنان، ثم استقال من الجيش، وتم تحديد إقامته، ثم تم أعتقاله فى السجن الحربى.
البطل يوسف صديق، كان شاعرا متقلب المزاج والعاطفة تزوج ثلاث مرات، ولكن عشقه كان ثابتا لأولاده وأم كلثوم ولثورة يوليو، كان مرسال غرام بينى وبين خطيبى فى أى مشكلة عاطفية.
حتى موقفه من جمال عبد الناصر كان متغيرا، ناصر بالنسبة لوالدى "فرعون" كما وصفه فى قصيدة كتبها فى السجن الحربى، وعندما تم تأميم القناة كتب: "الله أكبر يا جمال جمعتنا"، وعندما توفى ناصر بكى:
أبا الثوار هل سامحت دمعى
يفيض وصوت نعيك ملء سمعى؟
سامية صفان
الشروق
8 مايو 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق